د.ابراهيم العثيمين

ليبيا.. دولة على حافة الفشل

طلب عضو مجلس الشيوخ الجمهوري (ليندسى غراهام) من الجنرال (ديفيد رودريغيز)، قائد القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، خلال الإدلاء بشهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في 08 مارس 2016م؛ تحديد مدى خضوع ليبيا لسيطرة الجماعات المتطرفة، فرد (رودريغيز) قائلا: «إن المقاتلين الأجانب والمهاجرين غير الشرعيين يتدفقون من الدولة الغنية بالنفط الواقعة في شمال أفريقيا، ويوفرون الدعم للنزاعات في سوريا والعراق بالمقاتلين ويهددون حلفاء الولايات المتحدة». وعند سؤال رودريغيز عما إذا كان يعتبر ليبيا دولة فاشلة، قال رودريجيز: نعم. واضاف رودريغيز «إن الأمر سوف يستغرق عشر سنوات أو نحو ذلك؛ لتحقيق استقرار طويل الأمد في ليبيا». هذا التصريح الخطير تدعمه تقارير دولية مهمة. فوفقا لمؤشر السلام العالمي Global Peace Index لسنة 2015، الذي يقيس وضع المسالمة النسبي للدول والمناطق، والذي يشرف على إعداده معهد الاقتصاد والسلام بالتعاون مع مركز دراسات السلام والنزاعات في جامعة سيدني، أستراليا، ويبنى على عدة مؤشرات من ضمنها مؤشر عدم الاستقرار السياسي، حلت ليبيا في المرتبة 149 من بين 162 دولة في عام 2015 بعد أن كانت 52 في عام 2010. فالثورة التي قامت ضد نظام القذافي في 17 فبراير 2011، والتي كانت متأثرة بموجة الثورات العارمة التي اندلعت في المنطقة مطلع عام 2011 م وبخاصة في تونس ومصر، انتهت بسقوط نظام القذافي. إلا أن هذا الانهيار لنظام القذافي وهدم وتفكيك بنيته السياسية والأمنية الهشة، وفي ظل الغياب المتواصل للبديل الجاهز لقيادة المجتمع والتدفق الكبير للسلاح، أدى ذلك الى حالة من الفوضى العارمة والاضطراب وفقدان السيطرة على الأوضاع الأمنية؛ مما انعكس بدوره في فقدان القوى السياسية القدرة على تسوية العملية السياسية وآليات الحكم في البلاد، وبالتالي أنتج حالة من عدم الاستقرار السياسي. هذه البيئة التي أصبحت تعاني من غياب الاستقرار السياسي والترهل المؤسساتي وخاصة مؤسسة الأمن والجيش الذي فرضته هذه الأحداث، أدت إلى ازدهار المنظمات المتطرفة العنيفة ذات انتماءات عشائرية ومناطقية اغتصبوا مهام الأمن وشلوا أي دور لمؤسسات الجيش ورجال الشرطة بما فيهم شرطة المرور.حاولت الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبدالرحيم الكيب دعم المكونات العسكرية على الارض ولعب دور حيوي في فرض الأمن ونزع السلاح، وإعادة دمج هذه المليشيات، إلا أنه في ظل عدم تنشيط دور الجيش والشرطة فشلت. ويؤكد عمر الحباسي الناطق الرسمي السابق باسم الهيئة الوطنية لمعايير النزاهة هذا الفشل بقوله: «عجزت الداخلية عن إعداد خطةٍ أمنيةٍ محكمةٍ تطبق في العاصمة وتمرر على كل ربوع البلاد، مما أدى إلى تفاقم الأمور وانتشار الفوضى والسلاح، وكذلك عجز الداخلية عن إعداد خطةٍ محكمةٍ لجمع السلاح». كما أكد هذا الفشل الأمني الدكتور محمد المقريف، رئيس المؤتمر الوطني العام، في أول لقاء متلفز بعد انتخابه قائلا: «إن ملفات الوضع الأمني وبناء الجيش وإعادة هيكلة النظام القضائي، كلها قد أهملت من قبل المجلس الانتقالي والتنفيذي والحكومة المؤقتة، وإنهم لم يقوموا بعملهم بشفافية ونزاهة. وبعد ذلك انتخب المؤتمر علي زيدان الذي تمكن من تشكيل حكومة وفاق وطني، ورغم تأكيد زيدان على اهمية الملف الأمني وإنه سيكون أهم أولويات حكومته، إلا أن ضعف حكومته في التعاطي مع هذا الوضع الأمني أدى إلى فشلها في أيامها الأولى في وضع خطة متكاملة وحاسمة وجريئة لتنظيم قطاع الأمن وتنظيم حمل السلاح، وتنظيم العلاقة ما بين الثوار الذين اطاحوا بالنظام السابق وما بين اجهزة الدولة الجديدة؛ مما أدى الى تأزم الوضع الداخلي وفقدان السيطرة على البلاد. وقد اعترف علي زيدان بفشله الذريع في حل الأزمات الأمنية، حيث قال «إن عجزهم عن تدبير الملف الأمني سببه ضعف الجيش والشرطة». يقول رئيس التكتل الاتحادي الفدرالي أبو القاسم النمر إن –زيدان- لم يقدم إنجازا يذكر في مجال حفظ الأمن، «بل إن الملف تدهور بشكل كبير في عهده». وتؤكد ذلك صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير لها حيث تقول: إن حكومة علي زيدان فقدت تقريبا السيطرة على معظم أنحاء البلاد، ولا سيما شرق ليبيا، المنطقة القريبة من ثاني أكبر مدينة بنغازي. ووفقا لتقارير كثيرة تشير إلى انه في ظل حكومة زيدان زادت نسبة التفجيرات والاغتيالات وجرائم الخطف، ومعدل الفساد والجريمة ارتفع وكذلك الهجرة غير الشرعية زادت. ليس هذا فحسب، بل ان هذه الميليشيات المسلحة اصبحت تزداد سيطرة على المجال العام للحياة السياسية والاقتصادية، وتزداد تشابك مع القبائل. حتى الحكومات التي جاءت بعد حجب الثقة عن علي زيدان سواء الحكومة المؤقته برئاسة عبدالله الثني وصولا الى حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، ظل الملف الامني معلقا؛ مما ادى الى تحويل ليبيا الى دولة مشرعة الحدود لتمدد الارهابيين والجماعات الجهادية الضالة لتحقق نزواتها من سطو وسلب ونهب واعتداء وتعاون مع جهات اجنبية او مع تنظيمات إرهابية بالخارج. وبالتالي فبعد مرور أكثر من أربع سنوات على قيام ثورة 17 فبراير، يبقى الوضع الأمني المضطرب هو العائق الأكبر أمام أي تحول ديمقراطي في ليبيا، وأن الاختبار الحقيقي لأي حكومة كان وسيظل في تسوية الملف الامني واعادة الامن والاستقرار. إلا أني هنا استوقف فأقول إن تحول ليبيا من شرعية السلاح وهيمنة القوة إلى الشرعية الديموقراطية وحصر الصراع داخل قبة البرلمان، لن يقتصر فقط في تسوية المعضلة الأمنية من خلال نزع السلاح من قبل الكتائب والميليشيات، وإنما عن طريق إعادة صياغة عقد اجتماعي يؤسس لدولة مدنية، وتستعيد به الثقة بين السلطة والشعب، والتي كانت مفقودة طوال الأربعة العقود الماضية في عهد النظام القذافي، ولم تستطع الحكومات السابقة استعادتها.