د. محمد حامد الغامدي

«التحلية» «11»: الشّاهد العلمي المهم

■■ التنظير يكون لمن لا يملك القرار.. والفعل لمن يملكه.. فلماذا يضع وزير المياه نفسه مع المنظرين أمثالي؟!.. سؤال أكبر من أن يفهمه عقلي.. وقد أصبح سادنا للماء كما يبدو.. يكافح عبر (التنظير) من ثلاثة عقود.. الوزير يملك القرار.. المُنظّر لا يملكه.. التساؤلات تقود إلى الأجوبة.. لكن الأجوبة الصحيحة تحتاج إلى حقائق.. هذا يجعلني أعود إلى التصريح الشهير لمعالي المدير، السابق، لجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور بكر عبدالله بكر.. هل جاء ليزيد الطين بلّة؟!■■ اليوم وبعد كل هذه السنين.. أعيد قراءته من جديد.. قرأته سابقا بشكل مختلف.. جاء في وقت وعنفوان الاندفاع.. ثمرة الطمع والجشع والاستغلال السيئ للبيئة، والتطلعات المضرة.. التصريح كان من القوة جعل بعض الجهات ذات العلاقة ترتبك وتفقد صوابها.. لكنها سخرته لصالح تجاوزاتها.. خاصة بعد تقديراتها بوجود حوالي (380) مليار متر مكعب.. كمخزون إستراتيجي من المياه الجوفية غير المتجددة.. هل جاء التصريح ليعزز موقف التجاوزات؟!■■ اليوم وبعد إعادة قراءته.. تغير فهمي واستنتاجي لأبعاده.. قال التصريح بوجود مياه جوفية تعادل تصريف نهر النيل لمدة (500) عام.. رقم ضخم ومهول.. قال معاليه: بتحفظ.. كررها قبل إعلان الرقم.. فهل أزاح الهم والقلق؟!.. هل أثار زوابع أخرى من الهم والقلق والتساؤلات؟!■■ يظل السؤال قائما: هل التصريح صحيح؟!.. اليوم وبعد استدعائه وإعادة قراءته.. أقول: جاء التصريح ليصنع تاريخا جديدا.. لم نُحسن اقتناصه.. لم نعطه أبعادة الإيجابية.. فهل كان يحمل توجهات وأهدافا غير معلنة؟!.. هل كان بأهداف من الباطن؟!.. هل كان بحثا علميا جادا تم استغلاله لتحقيق المزيد من الصالح للبعض؟!.. اليوم وبعد كل هذه السنين.. استدعيت هذا التصريح ليكون شاهدا على ما أدعيه من أن التحلية ليست خيارا استراتيجيا.. هذا التصريح يؤكد أيضا أنها لن تكون.. المقالات القادمة تشرح هذه الشهادة، وأبعادها، وأهميتها.■■ كنت يوما ضد هذا التصريح.. كنت أثق في تقديرات وتصريحات الجهات المسئولة عن الزراعة والمياه.. وأيضا الجهات المسئولة عن التخطيط والتنمية، وواضعي وراسمي السياسات المائية والزراعية.. لكن بعد ثلاثة عقود اتضح لكاتبكم أن بعض من استنتاجاتي بنيت على بيانات غير صحيحة.. وغير دقيقة.. هل أثق في الجهات البحثية العلمية، أم في الجهات الرسمية ذات العلاقة؟!.. قادت حتى دراسات وأبحاث العلماء إلى ميادين التخبط والفشل. ■■ بعد كل هذه العقود من التجارب.. والخبرة.. والتأمل.. والتفكير.. والاستنتاجات.. والمعايشة.. أن وزارات لا تملك مقومات البحث العلمي.. تعتمد على جهات أخرى قد يكون لها مصالح، وبدأت بتقييم الوضع برمته.. في وسط كومة أسئلة لا تنتهي توصلت إلى قناعة بالمثل العربي البسيط الذي يقول: (إعط الخباز الخبز ولو أكل نصفه).. هكذا أيها القوم بدأت كل حساباتي تميل لصالح تصريح معالي مدير جامعة البترول.. لصالح جهات البحث العلمي.. الطرف الآخر بعيد عن البحث وميادينه.. وتكرر أيضا تناقضة وفشله.■■ هكذا انتصر العقل العلمي لدى كاتبكم وللتصريح.. أستشهد اليوم بتصريح مدير جامعة البترول الشهير. الحقيقة التي لم يعلنها التصريح أن هذا التقدير كان لثلاثة تكوينات مائية فقط.. هذا يعني أن هناك المزيد من المياه الجوفية في (6) تكوينات أخرى لم يتم الإعلان عنها. ■■ وبعد.... أليس هناك تناقض بين الواقع.. وبين التصريح؟! الواقع يقول هناك تناقض.. فالجميع يرى هبوط مناسيب المياه ويعيش نضوبها سنة بعد أخرى.. في ظل هذا التناقض كيف يمكن استنتاج الحقيقة؟! كباحث كيف استشهد بتصريح يتناقض مع الواقع؟!.. كيف أسمح لنفسي باللجوء لتصريح يناقض الواقع، ثم أسعى لتوظيفه ضد التحلية، وضد كونها خيارا استراتيجيا؟!.. هل بلغت من السذاجة إلى هذا الحد؟!■■ من باب الأمانة العلمية، واعتمادا على حقيقة المؤشرات.. أجد نفسي فخورا بجعل هذا التصريح شاهدا قويا ضد التحلية.. ضد التوسع في بناء المزيد.. ضد الإدعاء بأنها خيار استراتيجي.. ما حقيقة هذا الوضع المعقد والمتداخل؟! هل وجدت الحقيقة كما وجدها عالم الجاذبية في تفاحة.. ويستمر الحديث بعنوان آخر.