كلمة اليوم

أوباما.. والزيارة التي كرست الثوابت

رغم كل التباينات في المواقف من بعض قضايا المنطقة وأحداثها بين البلدين، ورغم عدم تطابق المقاربات خاصة فيما يتصل بالتدخل الإيراني في شؤون المنطقة، بين المملكة ودول الخليج من جهة والولايات المتحدة من الجهة الأخرى، إلا أن زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما مؤخرا للرياض، ولقاءه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، والذي امتد لأكثر من ساعتين، جرى خلالهما استعراض كافة القضايا، والعلاقات الثنائية بين البلدين، ثم الاجتماع الموسع الذي ضم فخامته مع قيادات مجلس التعاون الخليجي، كل هذا قد أفضى إلى تكريس الثوابت التي لا مناص منها، خاصة العلاقات الإستراتيجية المبنية على المصالح المتبادلة، وما ينجم عنها من العمل على استقرار المنطقة، ومواجهة الإرهاب، وكبح جماح طموحات طهران العابثة، وهي عناوين رئيسية تمليها المنفعة المتبادلة بين دول التعاون والولايات المتحدة الأمريكية. باراك أوباما في حديثه لأتلانتيك، كان يبدو غير باراك أوباما الذي يقر بالعلاقات الإستراتيجية بين بلاده والخليجيين، خاصة بعدما أدركت الولايات المتحدة، أو الإدارة الأمريكية الراهنة قدرة المملكة العربية السعودية بثقلها العربي والإسلامي، سياسيا واقتصاديا على أخذ زمام المبادرة، وصناعة التحالفات الضخمة بين عشية وضحاها، مما يؤكد قدرتها على الحشد من خلال مكانتها العربية والإسلامية والدولية، على اعتبار أنها قوة إقليمية وعالمية نافذة، وأنها حينما تعقد تحالفاتها الإستراتيجية مع الدول الكبرى لا تعقدها من باب الضعف أو الرغبة في الحماية، وإنما تبرم تحالفاتها على قاعدة الندية والمشاركة الفاعلة في حماية المصالح، بمعنى أن ملك الحزم سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- استطاع أن يؤكد للولايات المتحدة وللعالم أجمع أن المملكة، وإن كانت تلتزم السياسة الهادئة في كافة القضايا التي تتصدى لها، إلا أنها قادرة متى دعت الحاجة على استخدام كافة قواها الحية، سواء سياسيا أو عسكريا، فهي تمتلك من عناصر القوة ما يجعلها الحليف الذي يحظى بثقة كل من وضع يده بيده، وقد أثبتت الأحداث وفاء هذا الوطن لتحالفاته، وحتى إن حدث أن تبدلت بعض السياسات الأمريكية في المنطقة؛ نتيجة لحسابات سياسية معقدة، فإن المملكة تبقى في النهاية هي موضع الثقل الإقليمي، الذي لا تستطيع أي قوة في العالم أن تتجاهله.وعبر هذه القراءة، نستطيع أن نتفهم لماذا عادت الولايات المتحدة الأمريكية للتأكيد على شراكتها مع المملكة ودول مجلس التعاون، رغم تباين المواقف في بعض شؤون المنطقة، لأن قيادة المملكة التي أذهلت العالم بقدراتها الفذة على التحرك على أكثر من صعيد، سياسيا وعسكريا، عربيا وإسلاميا، قد أعادت مجددا تمهيد الطريق أمام الجميع للالتقاء مع الرياض على اعتبار أنها مركز صناعة القرار في أحداث المنطقة، وأن أي توهمات بصناعة دوبلير أو لاعب جديد بمعزل عن هذا الثقل المركزي، ستكون نهايته الفشل، وهو ما فرض هذه المعطيات التي لا بد وأن تتبعها المزيد من خطوات إعادة بناء الثقة، هذا إن كانت الولايات المتحدة جادة بالفعل في دفع عجلة السلام في هذه المنطقة إلى الأمام، ومواجهة التطرف والإرهاب ورعاته.