د.سامي الجمعان

لا «خيره» ولا «كفاية» شره!!

طرافة ما نتحدث عنه منبعه مصداقية عنوانه، وواقعية تحققه في حياتنا الشخصية أو العملية على حدٍ سواء، والعنوان في أصله مثل شهير ومتداول بين الناس، ويضرب في ذلك الشخص «البلوة» الذي لا يقدم خيرا، وفي الوقت نفسه لا يؤخر شرا، ولا يتوانى عن التفنن في عرقلة من حوله، وقد بدا لنا من تتبع هذا المثل حضوره الطاغي في كل الثقافات، وتشكله بالمعنى نفسه في معظم اللغات، كأن يقال «لا مِن خيرِك ولا مِن كِفاية شرك»، ويقال «لا خير ولا كِفاية شر»، ويُعبر عنه في فلسطين بقولهم «خيرُ ما فيك ودخانك بعمى العين»، وفي مصر بقولهم: «لا منه ولا كفاية شره»، وفي بعض مناطق الجزيرة العربية يقال «من خيرهم ما خيرونا ومن شرهم عمو علينا»، وفي العراق: «بخيرهم ما خيروني، بشرهم طلوا عليا».لا نريد أن ننشغل هنا بتمثل هذا المعنى في الحياة الشخصية بل يعنينا بالدرجة الأولى تمثله في الحياة العملية القائمة على العمل الجماعي، وخاصة تلك التي يسودها عمل ذو طابع مؤسساتي، فقد اعتدنا أن نجد فيها من يسبح عكس التيار، ويشاغب من أجل أن يوقف عجلة القطار، ويجند طاقاته وكل إمكاناته لإيجاد حاجز لكل مسار، وهنا تأتي التساؤلات تترى، عن نفسيات زمرة المعطلين للنجاحات من جانب، وعن أزمات كرههم للانخراط في العمل الجماعي من جانب آخر، وعن عدم مقدرتهم مواكبة أقرانهم المجتهدين في أي مؤسسة، أو كرههم لنجاح أحد غيرهم.الواقع يقول إن مؤسساتنا ابتليت بمثل هؤلاء الذين لا يقدمون خيرا ولا يؤخرون شرا، وكم يحتار مسؤول أي مؤسسة تبحث عن التميز والنجاح وتتوخى الإنجاز في التعامل معهم، فالمداراة تجر عليه وبالا وقد يعتقدونها ضعفا من المسؤول، ودفعهم للعمل مع أقرانهم يمنحهم فرصة حقيقية ومبررة لتنفيذ مخططات التعطيل والتأجيل لكل مشروع، وإن تحاشاهم تورط في كونه همشهم، وبالتالي هي معضلة حقيقية تعاني منها مؤسساتنا وقد لا تجد حلا مباشرا لها، لأن أبسط الحلول وهو التهميش لا يعني أنك سلمت منهم، بل منحتهم الفرصة للتشويش على المسيرة بالثرثرة الفارغة والنقد الأهوج، وسيتفننون كعادتهم في الطنطنة في أسماع أقرانهم الناجحين لمحاولة احباطهم أو تثبيط حماسهم، فماذا تفعل إذن!!بطبيعة الحال هذه الفئة المنتشرة في مؤسساتنا لا تملك أيا من مقومات النجاح على المستوى الشخصي، وهي بالتأكيد فاشلة في مشاريعها حتى أن بعض الدراسات تؤكد أن عزلتهم وعدم قدرتهم على الانخراط في المشروعات الجماعية ليكونوا أعضاء فاعلين فيها إنما بسبب اضطرابات في تكوينهم النفسي، وتؤكد هذه الدراسات أيضا أنهم في حاجة ماسة إلى علاج فعلي لكي يتمكنوا من تجاوز فشلهم في العطاء ونجاحهم في التعطيل.بقي أن أشير إلى أن مثل هذه المعاناة اصيلة في حياة المجتمعات البشرية، وتختلف نسبة هؤلاء باختلاف مساحة تحقق الأنظمة على أرض الواقع، بمعنى أن نسبتهم تقل في المؤسسات التي تطبق القوانين بحذافيرها لأن كل موظف يعرف ما له وما عليه، وتزداد عكسيا.