يوسف شغري - لدمام

مهرجان أفلام السعودية الثالث..أفلام تغوص في الواقع المحلي بإبداع

ضمن تظاهرة مهرجان الأفلام السعودية الذي أقيم في الدمام، يمكنك أن تتوقف عند بضعة أفلام تشد انتباهك من المشاهدة الأولى مثل فيلم محمد سلمان الوثائقي ( أصفر) والفيلم القصير جداً ( طقطقة ) لوشل حمدي، والفيلم الروائي ( كمان ) لعبد العزيز الشلاحي و(بسطة ) لهند الفهاد وفيلم ( أديب ) لعون الملا وغيرها. في الفيلم الوثائقـــــــــــي ( أصفر ) يركز الفنان محمد سلمان الضوء على فئة سائقي سيارات الأجرة، واللون الأصفر هو لون هذه السيارات وخصوصاً القديمة منها. ومن خلال تعليقات السائقين الحقيقيين وانتقاء هؤلاء من قبل الفنان سلمان، ندخل عوالم هؤلاء الناس الذين يعيلون أسراً بعملهم على تلك السيارات القديمة. يقول سلمان :" لقد أمضيت مع هؤلاء الناس حوالي أسبوع وأنا أصورهم وأرصد ما يقولون. لقد وجدت عالماً غنياً حاولت أن أعكسه في فيلمي ". ولا شك أن الفنان سلمان قد أبدع بتركيز الضوء على هذه الفئة من المجتمع السعودي بلغة سينمائية ذكية، ومن خلال المونتاج المرهف للمادة الغنية التي جمعها فجاء إيقاع الفيلم رشيقاً. وتلقى الفيلم متابعة وتفاعلاً من قبل الجمهور. لقد قدم سلمان متعة واكتشاف عالم هؤلاء الناس مركزاً على أن الحياة تتجاوز القديم إلى الجديد. وفي فيلم (طقطيقة ) لوشل حمدي، يركز المخرج على الإزعاج الذي يتعرض له الناس نتيجة للضجيج الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية من الملوثات كتلوث الجو بالغازات المنطلقة من المصانع وعوادم الآليات. يستخدم وشل حمدي المؤثرات البصرية و الصوتية بكثافة في فيلمه القصير جداً هذا من خلال ممثل وحيد يلاحقه ضجيج لعبـــــــة (الطقطيقة) مهما فعل وحتى بعد أن يثقب طبلتي أذنيه. لقد متعنا فيلم عبد العزيز الشلاحي الروائي ( كمان ) الذي يصور شاباً سعودياً متديناً في مدينة برلين وتحدث الصدمة عندما تتعاكس مفاهيم المجتمع الغربي مع معتقداته ومنها وجود بعض التذكارات في الشقة التي استأجرها مثل بعض الدمى وكمان تركته فتاة كانت تعزف عليه قبل أن يسكن في الشقة بطل الفيلم. يطلب الشاب إزالة هذه الأشياء من الغرفة لكن المؤجرة تقول له: إن ذلك غير ممكن فيطلب منها تغيير الشقة فتعده بذلك لكن الأمر يحتاج إلى وقت. ومن خلال هذا الوقت يسمع موسيقى تخرج من الكمان وكأن روح صاحبته الفتاة لا تزال فيه – ويدخل في حوار معه – ومع التفاعل تتطور مفاهيم الشاب ويفهم من جاره أن الموسيقى من لغة الحياة فهناك صفير الرياح وصوت موج البحر ..الخ، لقد نجح الفيلم بنقل الصدمة التي تعرض لها بطل الفيلم بحيث ينتهي الفيلم وقد تغيرت مفاهيمه التي حفظها.. باختصار، يتنصر الفيلم للفن وللموسيقى وأنها لغة الحياة _ والفيلم الذي فاز بالنخلة الذهبية للأفلام الروائية يستحق الفوز بجدارة لتناوله هذه القضية، والرؤية الإخراجية المبدعة واستخدام الموسيقى بشكل مرهف في الفيلم. وفي فيلم ( بسطة ) للمبدعة هند الفهاد، تتناول المخرجة حياة شريحة من النساء اللاتي يعشن من كدهن ليعُلْن أسرهن. بطلة الفيلم تبيع في "بسطة " في السوق ويشير الفيلم إلى ما تتعرض له من صعوبات وضغوط. يفتتح الفيلم بابنها يوصلها إلى السوق بعد غياب أسبوع بسبب مرضها، فتجد أن مكان بسطتها قد احتلته امرأة أخرى. فتنتقل إلى مكان آخر. ويهتم لأمرها الشرطي في السوق بهدف أن يضمها إلى زوجاته لكنها ترفض وينتهي الفيلم بما يشير إلى قبولها مرغمة نتيجة حماية الشرطي لها في السوق.. فيلم مرهف يغوص في المحلية والواقع الذي تعيشه بعض النساء. أما فيلم ( أديب ) لعون الملا الذي قال: إن الفيلم أنجز سريعا خلال أسبوع ليشارك في المهرجان. ومع ذلك فقد نجح بالتركيز على أحد الشعراء المبدعين وهو مثقف يعشق القراءة ويسخر منه الكبار أحياناً لكنه يثير اهتمام الأطفال عندما يطلب منه طفل أن يعيره بعض القصص ليقرأها. فيعده أن يقرأ للأطفال قصة و بالفعل يجد الأطفال ينتظرون وقد تجمعوا ليقرأ لهم القصة. وتنتقل الكاميرا بين وجوه الأطفال الذين يركزون اهتمامهم على ما يقوله الأديب. ثم يبحث في مكتبته عن قصص فلا يجد قصصا ويرى كتبا ملقاة في الزبالة فيتابع سيارة الزبالة إلى المكب، حيث يعثر على كرتونة فيها الكتب، ويحملها إلى البيت وكأنه حصل على كنز. وبالفعل يجد مع الكتب بعض المال فيشتري طابعة ودراجة وينسخ قصص الأطفال ويذهب إليهم لكنه لا يجدهم ويجد المكان الذي قرأ لهم القصة فيه محطماً. فيقوم بتوزيع القصص على بيوتهم ويترك الدراجة لأحد الأطفال الذين يحلمون بالحصول على دراجة. يسلط عون الملا الضوء على هذه الفئة المبدعة وموقفها الإنساني العميق من الثقافة والطفولة، وكذلك كيف ينظر المجتمع إلى هذه الفئة. فرغم الزمن القصير لإنتاج الفلم فقد نجح أن يوصل المقولة والنظرة الإنسانية للفنانين والأدباء.لقد نجح المهرجان في دورته الثالثة أن يقدم أفلاماً جدية وجيدة لامست الواقع المحلي وقضايا المجتمع بقوة. وكرس أيضاً احتفالية حاشدة متعددة النشاطات استقطبت جهات عديدة لدعم هذه الاحتفالية. وربما يكون أهم إنجازات الدورة الثالثة للمهرجان تثبيته وموافقة المسؤولين على استمرار التظاهرة، وأن الدورة الرابعة للمهرجان حقيقة واقعة. وهذا سيكرس فن السينما في الحياة الثقافية.