سالم اليامي

ليبيا.. تحديات الوفاق

«جميع الليبيين أدركوا أخطاءهم، فلقد دمروا وباعوا بلادهم. فالصراع لم يعد سياسياً» الكلام بين الاقواس مختار من حديث طويل جاء على لسان شخصية ليبية معروفة منذ ايام النظام السابق، فترة حكم معمر القذافي، هذه الشخصية تربطها بالنظام السابق أكثر من علاقة. فبالاضافة إلى علاقة القرابة، هناك علاقة المعايشة والمناصرة وتمثيل النظام لفترة طويلة، الغريب أن هذه الشخصية تعود اليوم إلى واجهة الأحداث وتحظى بقبول اعلامي ملموس من قبل صناعة الاعلام عربيا وعالميا. السيد أحمد قذاف الدم. من الوجوه المعروفة لدى الناس في ليبيا لقربه من النظام ولانه احد الرموز السياسية والدبلوماسية التي روجت وساهمت في تعويم النظام عربيا وعالميا، الرجل قدم نفسه للناس، أو لمن لا يعرفه منهم، عبر كتاب "قذاف الدم يتحدث" حاول أن يبرز للاخرين جملة من الادوار التي عاشها وساهم في صناعتها مع رموز تلك المرحلة منذ إعلان ما بات يعرف بثورة الفاتح، في الاول من سبتمبر1969م التي قامت على الغاء النظام الملكي عبر تحرك وصف بأنه انقلاب أو ثورة لضباط يسمون بالأحرار. وتسلم قيادتها وقيادة ليبيا والناس معمر القذافي الذي خطط لتغيير البلاد وتعديل كثير من المفاهيم فيها تبعا للشعارات التي اعتقد انها تناسب المرحلة التي جاء فيها.الكتاب طال شرح مرحلة امتدت نصف قرن قضاها الرجل مع القذافي وبين أحضان نظامه. اعود للجزء المقتطع من حديث الرجل لكي ابين فقط انه جزء من لقاء مطول نشرته مطبوعة امريكية مطلع هذا الاسبوع "انترناشيونا بزنس تايمز" أهم ما في الحديث وهو أخطر مافيه في ذات الوقت هو أن الرجل يؤكد ان هناك قوات "عسكرية" أسماها بالنخبة تتمركز في كل من تونس، ومصر. تستطيع تغيير الواقع العسكري على الارض في ليبيا في غضون اسابيع بمجرد دخولها للأراضي الليبية. وأكد الرجل، أنه يستعد للعودة إلى ليبيا، ولكنه ليس وحيدا بل مصحوب بمليوني ليبي يدعمون النظام السابق. في الخارج، ومثلهم بالعدد داخل البلاد. المثير والذي حاول السيد قذاف الدم الاشارة اليه بوضوح هو أن القوات النموذجية والنخبوية التي تحدث عنها قادرة على القضاء على داعش في ليبيا. وتأتي هذه التصريحات في الوقت الذي تصف اطراف ليبية عدة ان اتباع النظام السابق او من اصطلح على تسميتهم في الخطاب الليبي الاعلامي العام بالأزلام على علاقة وثيقة بتنظيم داعش من حيث التنظيم والإمداد بالسلاح وتسهيل كثير من المهام الضرورية لنمو وحركة التنظيم. كما ذهبت بعض الاراء إلى تغليب فكرة ان التنظيم استغل حماس وملاءة انصار النظام السابق لضم البعض منهم إلى صفوفه وإدماجهم في مشروعه القتالي حتى وإن كانوا يقاتلون لأهدافهم الخاصة. هذا التصعيد ياتي في اعقاب جملة امور مهمة ابرزها، تجديد مجلس الامن الدولي التزامه بدعم حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، و دعوة الدول الاعضاء بالامم المتحدة إلى إنهاء التعاملات مع المؤسسات الرسمية الموازية التي تعمل خارج اطار الاتفاق السياسي الموقع بين القوى الليبية في 17 ديسمبر 2015م. وهذا يعني بصورة مباشرة الغاء نفوذ الحكومة التابعة للمؤتمر الوطني في طرابلس والغاء نفوذ المؤتمر ذاته، وبنفس القدر الغاء سلطة برلمان طبرق، وحكومة عبدالله الثني التي توصف بالحكومة المؤقتة. ولكن الامور لا تقف عند هذا الحد، فالجهات التي عطلت بنص القانون الدولي اعلن بعضها عدم اعترافه بحكومة الوفاق، ويزيد على ذلك ان عددا من المجالس المحلية والتجمعات القبلية والمناطقية رفضت حكومة الوفاق الوطني. في مشهد متضارب بقوة وشديد التعقيد.يضاف إلى ذلك الاعلان الذي بدا بالترويج له السيد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والذي يتضمن القول بعودة الحكومة من الخارج من "تونس" إلى مباشرة اعمالها من العاصمة طرابلس. الامر الذي تشكك فيه جهات عدة، وتحذر من مغبة المخاطرة من القيام به. لكن السيد السراج أكد وجود ترتيبات مع قوى عسكرية من الشرطة ومن القوى المسلحة المستوطنة في العاصمة. واشار إلى وجود ترتيبات بضمان البعثة الدولية لعملية مقارية أمنية محددة تتولى حماية الحكومة. كثير من الليبيين يشككون وبقوة في قدرة حكومة الوفاق على فرض الامن والسلم في العاصمة مالم تكن تحت رحمة فصيل او كتيبة عسكرية ما. هذا اذا عرفنا ان منطقة طرابلس والمنطقة الغربية تعج بالقوات المسلحة التي تتبع لفئات وقبائل ومناطق، وتتعدد توجهاتها العسكرية. وهذه التجربة شبيهة بتجربة المؤتمر الوطني العام الذي تحامى بمجموعة من القوى المسلحة التي اصبحت تسيطر عليه وتؤثر على سير قراراته. ولعل المهتمين يتذكرون قانون العزل السياسي الذي انتجه المؤتمر الوطني الليبي العام في مايو 2013م والذي ازعم انه احد اسباب توجهات قذاف الدم اليوم ومن معه لحشد القوة من خارج ليبيا لقتال الليبيين! لان هذا القانون حرم الليبيين من مصالحة وطنية وضيع عليهم في ذات الوقت فرصة نمو عدالة انتقالية فيما بينهم. يضاف إلى كل تلك التحديات أخطار الارهاب وانتشار داعش في سرت وغيرها من المناطق والتقارير المقلقة التي تتحدث عن ازدياد اعداد مقاتليها إلى ما يقرب من ستة الاف مقاتل. دول الجوار ليست بعيدة عن كل ذلك حيث اجتمعت في تونس يومي 21و 22 من الشهر الجاري لبحث الازمة في ليبيا وتداعياتها على الاقليم بعد اصبح من الصعب حصرها في الداخل. التازم الامني يبدو مثيرا للقلق، والحلول السياسية التي يصر عليها الخارج عبر الامم المتحدة، في ظل انقسامات الداخل تبدو غير مجدية. وتبقى بصيرة وبصر اهل البلاد مشوشة مالم يتفقوا فيما بينهم ان استطاعوا - من في الخارج ومن في الداخل- على حوار يجنبهم اخطار المزيد من التفتيت.