د. مبارك الخالدي

دلع ياسوخوي.. دلع يامجنح!

ما أن انتهت المهلة النهائية التي منحها مجلس الأمن الدولي للعراق للانسحاب من الكويت، حتى انطلقت في فجر السادس عشر من يناير 1991م من السفينتين الحربيتين "ميزوري" و"ويسكنسون" صواريخ "توماهوك" لـ"تمخر عباب الفضاء" نحو أهدافها المحددة بدقة فائقة، في ضربة استهلالية لمحطة الانذار المبكر في غرب العراق ومراكز القيادة. لم تكن صواريخ الـ"توماهوك" لوحدها في تلك الغارات المبكرة، فقد رافقتها طائرات "الشبح" فيما وُصِفَت بأنها أول ضربة منسقة في تاريخ الحروب يستخدم فيها الصواريخ والطائرات ثابتة الأجنحة.كانت الضربة الأولى من نوعها، كما كانت "عاصفة الصحراء" أول وأكبر حملة عسكرية من هذا النوع أيضاً، شنها ائتلاف مما يزيد على ثلاثين دولة تقودهم الولايات المتحدة لتحرير الكويت. كما كانت -وهذا محور الكتابة- أضخم استعراض لعضلات الولايات المتحدة الأمريكية، الدولة الأعظم، في العالم أحادي القطبية بعد فناء الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت ذاته، أضخم عرض وتسويق لمصنوعاتها من الطائرات والصواريخ والأسلحة المتطورة. وكانت سماوات العراق والمنطقة العربية مفتوحة لعرض "الشبح" وغيرها من القاذفات والمقاتلات وصواريخ الـ"توماهوك"، وكان لـ"باتريوت" دور لا يستهان به، ونصيب في التقارير المصورة التي نقلت الحرب الى داخل البيوت بطريقة لم تعهد من قبل، ليرى الناس بطول العالم وعرضه الصواريخ الموجهة من مسافات طويلة والطائرات تصيب اهدافها بالقذائف الموجهة بالليزر.لم يكن ذلك أول عرض واستعراض في تاريخ المنطقة، فلدولة الكيان الصهيوني تاريخ كابوسي من العروض واستعراض العضلات، بدأ من لحظة نشوئها ولم ينته، خبرته أراضي وسماوات فلسطين ومصر وسوريا والاردن والسودان وتونس، ولبنان، والعراق عند تدمير مفاعله النووي.لكن ثمة فارق كبير في الضخامة والكثافة، فعاصفة الصحراء حدث لا مثيل له ولم يخطر على بال بشر. فلم يتكرر سيناريو مأزق أمريكا في فيتنام كما توقع أو كان يتمنى مؤيدو نظام صدام حسين الذي وُصِفَ جيشُه بأنه رابع أقوى الجيوش في العالم، فقد ولى الأدبار مهزوماً مدحوراً من الكويت، التي كانت قد تحولت بين عشية الاحتلال وضحاه الى "كاظمة" أو المقاطعة "19".ولم تكن "العاصفة" الأولى والأخيرة، فقد عاد العرض والاستعراض في 2003م لتدمير اسلحة الدمار الشامل العراقية، تمهيداً لبناء العراق المساواتي الديمقراطي. العراق الذي نراه الآن!!! تكشف الأحداث الجارية الآن أن سماوات وأراضي المنطقة ليست ممهورة بختم الاحتكار الدائم لطائرات وصواريخ وقوات الولايات المتحدة والناتو وربيبتها اسرائيل، إنها منذورة ومتاحة لعروض واستعراضات كل من لديه القوة وتأتيه الفرصة على طبق من دماء أهل المنطقة، يؤكد هذا العرض الروسي في سوريا بناء على ما أسمته موسكو طلباً من الحكومة الشرعية في دمشق، لا يحدد نهاية التواجد الروسي في سوريا.جاء الروس، وجاءت أسراب السوخوي بأرقامها المتعددة والميغ والصواريخ المجنحة، التي أطلقت من سفن حربية "طارحةٍ" في بحر قزوين لتذكر بالـ"توماهوك"، إنه في جوهره عرض لقوة روسيا العظمى كما يصفها بوتين، بالإضافة الى كونه حرباً على داعش الإرهابية، ودعماً لنظام الأسد.دلع ياسوخوي!!..دلع يامجنح!! ستبقى المنطقة مسرحاً فضاء للعروض والاستعراضات واختبار الأسلحة ما بقي الطغاة من الحكام والإرهابيين والطائفيين والعنصريين!!