كلمة اليوم

العروبة.. ذبح الشعار بأيد مدّعية

في هذه المعركة التي تتداخل فيها كل العناوين، وتذوب فيها معظم المصطلحات والشعارات ابتداء من الممانعة والمقاومة، وشعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، وصولا إلى هذا الخلط العجيب ما بين شعارات القومية العربية التي تمتلئ بها قناة الدنيا والميادين وغيرهما تحت علم دولة الولي الفقيه في أغرب معادلة ممسوخة تشهدها الأمة على مر تاريخها. في هذه المعركة التي تتبدى فيها دمشق كصورة مصغرة لطهران، يفقد المرء قدرته على فرز المصطلح، وتحديد دلالاته، فلا العروبة التي طالما تغنى بها نظام الأسد هي ذات الإثنية التي تتفق عليها معاجم اللغة السياسية، ولا المقاومة أو الممانعة هي ذاتها التي تتجه كما كنا نتوهم باتجاه إسرائيل، فقد أصبحنا بفضل هذه التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة التي فتحت كل الممرات الآمنة لإيران، وسمحت لها لأن تعيد صياغة القومية العربية وفق مقاس الشادور الإيراني، وأن تعيد تسييل معنى المقاومة ليصبح الأكثر قربا في المصالح من تل أبيب، عوضا عن أن يتوجع للقدس أو يألم للضفة، أو يشعر بخناق الحصار على القطاع، لقد نجحت ولاءات المذهب التي لعبت على أوتارها الثورة الإيرانية ليس في تمزيق الأرض العربية وحسب، وتمزيق الهوية، وإنما أيضا نجحت في تمزيق المصطلحات وتدليسها على المسامع ليصبح مثلا شعار الموت لأمريكا ممرا آمنا للتحايل على ممانعة لم يعد لها أي أثر، بعد أن طمستها مصالح نظام الملالي وحلفائه الميليشياويين، لتتحول إلى مجرد عنوان فارغ لا شيء تحته سوى الهباء، المشكلة أن كل هذا يحدث أمام أنظار المواطن العربي المغلوب على أمره في الهلال الذي كان خصيبا، وتسن له أقلام سدنة القومية العربية في بعض الصحف العربية النضالية التي لم تعد تستطيع أن تخفي أنها تكتب بالحبر الإيراني مهما حاولت؛ لأن إيران الخامنئي لم تدع لهم أي مساحة للمناورة بعد أن دفعت لهم ثمن أقلامهم وأحبارهم، ليحولوا ما تبقى من تلك القومية إلى شيء من العهن المنفوش.لم يعد لبنان غرفة عمليات القومية العربية، بعد أن احتله حزب الولي الفقيه، وصادر قرار السلم والحرب فيه، وعطل شغل أهم مواقعه السيادية، بإفراغ كرسي الرئاسة فيه منذ ما يزيد على العام؛ لأن عملاء طهران لا يقبلون إلا رئيسا يجيد اللغة الفارسية على اعتبار أن «قم» فقط ستكون هي قبلتهم الجديدة، ولا يقبل بالتالي أن يشاركه أي مكون آخر لا يسمح بأن يكون وزير الخارجية اللبناني ناطقا رسميا باسم (جمهوري إيراني إسلامي)، خاصة بعدما أصبح كل شيء مفضوحا على الملأ، ولم يعد بمقدور حلفاء «حزب اللات» الذين يريدون تزكيته لإنجاز مصالحهم سوى التحدث بلغته، والمضي إلى أقصى ما يريد لتفادي القرار المفروض بقوة السلاح الإيراني. هذه هي الحال التي أفضت إليها عمليات البيع والشراء بين زعامات وصلت للسلطة بعباءة العروبة، وما إن ثارت ضدها الشعوب مطالبة بحقوقها حتى خلعت تلك العباءة لتعتمّ بعمامة مرشدها ووليها وولي نعمتها في طهران.