د. فالح العجمي

أيام الكاش والمال البلاستيكي والإلكتروني

هناك من يحنّ لأيام الدفع الكاش، عندما كانت النقود نقوداً تُلمس، ويتناولها المشتري ليدفعها للبائع مقابل ما يأخذه من بضاعة أو خدمات. كما يوجد آخرون يحسون بنوع من الراحة لعدم الحاجة إلى حمل النقود، والتأكد من وجود الأوراق الكافية لدفع ما يريدون شراءه في كل مرة يتسوقون، أو يضطرون إلى دفع قيمة خدمات يريدون الحصول عليها؛ وهؤلاء يستعيضون عن تلك الطريقة القديمة بالدفع من خلال البطاقات الائتمانية، أو ما أصبح يُطلق عليه المال البلاستيكي (plastic money). لكني هنا لن أتناول التطورات نفسها، أو أحوال كل من الدفع الورقي للمال أو بديليه البلاستيكي أو الإلكتروني، بل يهمنا بالدرجة الأولى السمات التي تتصف بها كل حقبة من حقب السياسات المالية السائدة والسلوكيات المتصلة بها، وكذلك الثقافة المرافقة لفهمها والتعامل وفقاً لمعطياتها. فالتحول نحو طرق أخرى من إجراء المدفوعات والمطالبة بإنجازها ليس هو العامل المؤثر في التغيير، بقدر ما هي الآليات المصاحبة في تعامل الطرفين (المشتري والبائع أو طالب الخدمة ومقدمها) بعضهما مع بعض. لكنه مع تلك التطورات دخلت مرحلة أخرى من حالات القلق والاضطراب المختلفة درجاته وأنواعه من مجتمع إلى آخر، ومن منظومة اقتصادية في بلدان العالم المتقدم إلى أخرى في العوالم الأخرى. فبدلاً من المشكلات القديمة المتعلقة بحمل النقود واحتمالات سرقتها، أو القلق من طرق المحافظة عليها، مروراً بضرورة تحويلها إلى عملات أخرى في كل انتقال إلى بلد تختلف عملته عن البلد المنتقل منه، وليس انتهاء بعمليات التزوير التي تحدث في إنتاج عملات غير رسمية تؤدي إلى قلق البائع أو مقدم الخدمة من إمكانات خسارته قيمة سلعته أو ما يقدمه من خدمات بسبب تلك الاحتيالات، برزت مشكلات أخرى من نوع تقمص شخصية المشتري واستخدام بياناته أو بطاقته المسروقة في تسوية بعض عمليات الشراء، التي لا يدري المشتري المفترض شيئاً عنها إلا بعد إتمامها. لكن عمليات التشويه لتلك التطورات لم تتوقف عند هذا الحد، بل أصبحت عمليات الخصم، حتى دون ضرورة وجود دفع لمشتريات، أو الدفع المضاعف، مما يحتاج معه إلى معاملات لاسترداد الأموال، التي دُفعت خطأ أو أكثر من مرة، وهو ما يجعل الناس تنظر إلى تلك التعاملات غير البشرية، التي تسيطر عليها أفكار نمطية معممة على ذوي الشأن من أصحاب العلاقة في العمليات التجارية أو المالية، التي يجري الدفع المالي فيها بأي من الوسائل المستجدة. هل جرّب أحدكم أن يتعامل مع موظف الفندق، الذي يسكن فيه بعد أن طبقت التعاملات البنكية في عصر التحول إلى النقود البلاستيكية، ويرى كيف أن عدداً من الإجراءات التي كانت مطبقة في عصر النقود الورقية قد انقلبت رأساً على عقب، لتكون كل التشريعات، وكذلك نشاط المؤسسات المالية والخلقية قائمة على محددات مثبتة في النص الأصلي للمواد القانونية، لكنها غير متضمنة في الترتيبات المقننة، لتصبح صورة عن الفوضى الحاصلة بسبب تجاوز الحدود العفوي أو المتعمد، وأكثر من ذلك الاعتراف وإمكانات الدمج مع ما يسبق ذلك كله من إمكانات وموارد. فالقائمون على تلك المؤسسات الخدمية والواسعة التمثيل، يعدون مواضع عرض الحالات أو الفواتير المستحقة من الأمور ذات القدسية العالية، دون اهتمام بحماية طالب الخدمة، الذي يقوم بدفعها إلكترونياً أو من خلال البطاقات البلاستيكية مباشرة. ودون الاهتمام بمصالح الطرفين في الحماية والحصول على المستحقات من جهة، ووجود القيمة الفعلية للمنتج أو الخدمة المقدمة، لن تتحسن أجواء الثقة بهذا التطور، واستمرار تقبل تلك التطورات واحترامها.