عبدالرحمن العومي

المصالح التركية الاقتصادية أهم من المبادئ السياسية

نشبت قبل عدة أسابيع أزمة دبلوماسية بين تركيا وروسيا؛ بسبب اسقاط تركيا لطائرة الميغ 24 الروسية، التي تقول تركيا انها انتهكت مجالها الجوي. وبسبب هذه الحادثة فرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتن بعض العقوبات الاقتصادية على تركيا، منها حظر المنتجات الزراعية وتقييد نشاط الشركات التركية في روسيا، وتشديد منح الفيز لدخول الأتراك إلى الأراضي الروسية، وفي المقابل لم تقم تركيا بفرض اي عقوبات على الجانب الروسي كردة فعل على العقوبات الروسية.ويكفي أن نعلم أن حجم التجارة بين البلدين يفوق 33 مليار دولار، وأن روسيا تعتبر الشريك الاقتصادي الثاني للأتراك بعد الإتحاد الأوروبي، كما ان تركيا تعتبر الوجهة المفضلة للسياح الروس، حيث يزور ما يقارب 4 ملايين سائح روسي المنتجعات والمناطق السياحية التركية. أما على مستوى الطاقة فإن تركيا تستورد نصف حاجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا، وتستورد كذلك النفط ومشتقاته من روسيا، وهي تعتمد على روسيا في تكنولوجيا الطاقة النووية. حيث اتفقت أنقرة وموسكو على إنشاء اول محطة نووية في تركيا بتكلفة تقدر بحوالي 22 مليار دولار لتوليد الطاقة الكهربائية، وبذلك تكون روسيا هي الرئة التي تتنفس منها تركيا واي قرار روسي بفرض عقوبات في مجال الطاقة على تركيا سيجعل تركيا تصاب بالشلل، وسيخلق ازمة اقتصادية خانقة لتركيا.وفي ظل تلك الأزمة، صدرت أصوات عربية تطالب البلدان العربية بالوقوف الى جانب تركيا ومساندتها في وجه الدب الروسي وتعزيز موقفها الصامد في وجه الهيمنة الروسية، وذلك بفتح الأسواق العربية على مصرعيها للمنتجات التركية التي تضررت جراء حظر دخولها الأسواق الروسية وتعويض الشركات التركية والاقتصاد التركي عن كل دولار خسرته تركيا في مواجهتها مع الدب الروسي، بل زاد الأمر عن ذلك عند البعض بإعلان حرب اقتصادية على روسيا ومقاطعة منتجاتها وإيقاف الاستثمارات البينية وإيجاع الاقتصاد الروسي وإلحاق الضرر به وبمستقبل التجارة الروسية العربية. وذلك كله مساعدة ومساندة للقرار السياسي التركي بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. نعم كلنا مع تركيا وكلنا مع الرئيس التركي.ولكن وبعد عدة اسابيع نشبت أزمة دبلوماسية سعودية إيرانية؛ بسبب تعدي الإيرانيين على مقر البعثات الدبلوماسية السعودية، منتهكة كل المواثيق والعهود الإسلامية والدولية. فما كان من حكومتنا الرشيدة إلا أن سحبت السفير السعودي، وطردت سفير إيران، وقطعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع هذه الدولة المارقة، وقد أدانت أغلب الدول بما فيها مجلس الأمن الإعتداءات الإيرانية على مقار البعثات السعودية. وتوقعت أن تكون تركيا من أوائل الدول التي تدين وتستنكر وتستدعي السفير التركي في طهران، وأن تفرض بعض العقوبات الاقتصادية على طهران؛ ردا للجميل بوقوف المملكة -حكومة وشعبا- معا ودعمها للاقتصاد التركي في عدة مشاريع، إلا أن ذلك لم يتحقق ولم نسمع من أنقرة أبسط الكلام ولا أضعف الإيمان. لا بل ان رئيس الوزراء التركي داوود أغلو ساوى بين الجاني والمجني عليه. وتدخل في بعض التفاصيل التي كان يجب ألا يتطرق لها. هنا أدركت أن تركيا تعتبر اقتصادها شيئا مقدسا وأن مواقفها السياسية مرهونة بمصالحها الاقتصادية. وان العكس بهذه المعادلة غير صحيح، وتذكرت هنا الموقف الباكستاني والذي على الرغم من المساعدات الاقتصادية التي تم دعمها على مدى العقود الماضية إلا أنها لم تثمر شيئا في أول اختبار سياسي جدي، وأدركت جيدا المثل العربي: (ما حك جلدك مثل ظفرك).