د.عصام الخرساني

حقائق مخيفة

يقال ان شهر رمضان ينتقل بين الصيف والشتاء ويعود للصيف مرة أخرى في دورة مدتها ثلاثون عاماً فالبعض منا يتذكر ان شهر رمضان المبارك كان يأتي في عز الصيف ثم جاءنا في عز الشتاء ومنذ عدة سنوات اصبح يأتينا في عز الصيف لكن الا نلاحظ ان الصيف اصبح اشد حرارة عما قبل؟ وألا نلاحظ ايضاً ان فصل الصيف اصبح يمتد لفترات طويلة تجاوزت فترات الصيف الذي كنا نعرفه؟. هذا الاسبوع طالعتنا صحيفة الغارديان الانجليزية في عددها بتاريخ 2015/10/26 بمقال عنوانه: "موجات الحر الشديدة تنقل طقس الخليج الى مستوى لا يمكن للإنسان تحمله"، هذا المقال ليس مجرد كلام وليس مجرد ذكريات بل الجميل فيه انه كلام علمي مبني على دراسة علمية موثقة بالأرقام والخرائط الحرارية و نُشر في مجلة علمية مُحكمة «Nature Climate Change» (2015). doi:10.1038/nclimate2833 والعالمان اللذان قاما بالدراسة يعملان في جامعات مرموقة في امريكا فالأول يعمل في جامعة لويولا ماريماونت في لوس انجلوس والعالم الثاني يعمل في معهد ماستتيوسش للتقنية لذلك فإن علينا ان نأخذ كلامهما مأخذ الجد وان كان لي من عتب فهو على علمائنا في جامعاتنا السعودية الذين لا نرى ولا نسمع لهم عن دراسات مماثلة والسؤال الآن هو لماذا لا نأخذ بتوصيات هؤلاء العلماء اذا كان ما يقولون صحيحاً؟ وهل هذا يعني اننا سنرى جهودا حثيثة في تنفيذ ما يقولون؟؟. المقال يقول: منابع النفط في ابوظبي، دبي، الدوحة وساحل ايران المطل على الخليج سوف تتعرض لدرجات حرارة عالية من الحرارة والرطوبة وإذا فشلت هذه الدول في اتخاذ خطوات في الحد من انبعاث الكربون ستصبح اشد ايام الصيف حرارة الآن هي شيئا عاديا كل يوم في المستقبل وسيمثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة خطراً حقيقياً على سكان هذه المناطق وعلى الملايين من الحجاج خصوصا خلال الاعوام القادمة التي سيكون فيها الحج في فصل الصيف. الطقس المستقبلي في صيف الخليج سيكون مثل اشد الايام حرارة في شمال صحراء عفار التي تقع في شمال اثيوبيا حيث لا يوجد تواجد دائم للبشر فيها والدراسة تُبين ان تخفيض انبعاثات البيوت الخضراء الآن قد يُجنب الخليج هذه الارتفاعات في درجات الحرارة مستقبلاً. هذا البحث تطرق لكيفية قياس الحرارة مع الرطوبة سوياً بقياس يسمى (WBT) وان درجة حرارة WBT فوق 35 تجعل من الصعب على الجسم البشري تحمل هذه الحرارة فبعد 6 ساعات من التعرض لهذه الدرجة من الحرارة حتى في افضل البشر لياقة صحية فان الانسان يموت اما في البشر الاقل لياقة صحية فإن درجات حرارة اقل من 35 درجة WBT تعتبر قاتلة ولقد وصلت درجة الحرارة الى هذا المستوى القاتل في يوليو من هذا العام 2015 في مدينة بندر ماهشهر الايرانية.لقد استخدم العلماء حاسبات ذكية للتنبؤ بما ستصل اليه درجات الحرارة في منطقة الخليج وتبين لهم انه بعد عام 2070 سوف نصل الى تلك الدرجة القاتلة من الحرارة في معظم دول الخليج خصوصا اذا علمنا ان درجة الحرارة العادية وليست ال WBT قد سجلت 60 درجة مئوية في مدينة الكويت، اما بالقرب من البحر الاحمر حيث تقع مكة المكرمة ومدينة جدة فان الدراسة تقول ان درجة الحرارة WBT لن تصل الى درجة 35 القاتلة بل ستكون في معدل 32 او 33 لكن حتى هذا المعدل سوف يجعل من الحج خطراً لا سيما في المشاعر التي تتطلب المكوث في العراء لمدة طويلة. اشد الناس تأثراً بالحرارة هم الكبار في العمر والاطفال والمصابون بأمراض مزمنة ويجب ان لا ننسى موجات الحر التي تعرضت لها اوروبا في عام 2003 وادت الى وفاة اكثر من 30 الف نسمة وكذلك في عام 2010 حيث ضربت موجة حر روسيا وأدت الى وفاة اكثر من 50 الف نسمة ويقول بروفسور الطقس السويسري كريستوفر شار ان التعرض لموجة من الحر حيث تصل الـ WBT الى 35 سوف تكون قاتلة للجميع حتى للأصحاء وحتى وان كانوا في الظل او في الاماكن المهواة والمفتوحة ويضيف شار الى ان جهود خفض انبعاثات غازات البيوت الخضراء عالمياً هي ضرورية لساكني منطقتي الخليج العربي والبحر الأحمر لأن السماء الصافية فوق الخليج تجعل الشمس تُسخن المياه مباشرة وبقوة ولأن الخليج ليس عميقا كالمحيط فان المياه تسخن بسرعة وينتج عنها رطوبة عالية تجعل المدن الساحلية تتأثر اكثر من غيرها. وللحديث بقية.