د. إحسان بوحليقة

تطلعات مواطن في اليوم الوطني

بالنظر لما يدور من مآس وتأزمات وحروب يصبح للوحدة الوطنية معنى أكثر ضرورة وإلحاحاً؛ بأن الوطن هو -بعد الله سبحانه- الحصن الحصين، وأن للوطن ولاستقراره ولأمنه ولازدهاره قيمة لا توازيها قيمة، إذ ان اختلال ذلك الاستقرار يعني ضياع الحقوق واستباحة الحرمات واستشراء الظلم والتجاوز. في اليوم الوطني لمملكتنا لابد أن نستذكر ذلك كله، فالوطن يجلب لمواطنيه خيراً وفيراً كمحصلةٍ للاستقرار والأمن وللتواؤم الاجتماعي والسعي الاقتصادي.وفي هذا اليوم بالذات لا بد من استذكار أن الوطن أمانة في أعاقنا جميعاً، للحفاظ عليه وتقوية أُلفته ولحمته وازدهاره؛ الروح المسئولة هذه هي التي ستجعلنا متحابين نشكل حزمة واحدة، لُبعد المتوجسين النافخين في كِيرّ الفرقة وإظهار السوءات (زوراً وبهتاناً) وإخفاء المزايا (زوراً وبهتاناً). والروح الوطنية المسئولة هي التي ستمنع أي منا أن يعيث في موارد الوطن فساداً ظاناً أن له في الوطن أكثر مما لمواطنيه الآخرين! والروح الوطنية هذه هي التي ستجعل الواحد منا يحترم المباني والشوارع نظاماً وممارسةً، معتبراً أنها ملكه وأنها له ولأبنائه وأحفاده، كما أن هذه الروح هي التي ستدفع الجميع للعمل بحماس وإبداع وتَحَفز بما يَدفع للإنتاج والابداع.في هذا اليوم بالذات علينا تذكرّ ما الذي صنعناه من أجل الوطن، وما الذي قدمناه وفاءً لحقه علينا بأن نعمل دائماً لتقويته ولسيادته ولعزته ليل نهار. نعم هو يوم للاحتفاء بوطننا، وهذا اليوم كسائر الأيام علينا أن نعمل فيه لرفعة الوطن وسؤدده. فهل "يوم الوطن" هو يوم للاستجمام والاسترخاء والسفر والتنزه؟ أم أنه يوم نخصص جانباً منه للاحتفاء، وآخر لنحسب بالورقة والقلم كيف كان أداؤنا فيما خلا من أشهر، بأن نجرد حساب عام سينقضي وآخر سيولد؟ في بداية العام نعلن ما سنفعل، ومهم في يومنا الوطني أن نستذكر ما كنا بصدده وما تمكنّا من تحقيقه فنطرح تساؤلات الراغب في تحسين أدائه وفاءً لوطنه، فحقه عظيم ولا بد أن يُوفى. واستطراداً، لما لا تعلن الميزانية العامة في اليوم الوطني أي في 23 سبتمبر؟ لنستغرق ما بقي من العام إقفالاً لمشاريعه وتحضيراً لتحديات جديدة يحملها العام القادم؟ ما المبرر لذلك، قد يسأل سائل؟ لن يتمكن أحدٌ (فرد أو جهاز) من استقبال عامٍ وتوديع آخر في غمضة عين في الآخر من ديسمبر. وعليهِ فإعلان الميزانية العامة قبل نحو ثلاثة أشهر من نهاية العام سيعني أن المجال أمامنا واسع لنعلن ما حققناه وما لم نحققه تحديداً؛ فالميزانية إجمالاً هي عبارة عن برنامج عمل، بل ان إنجاز ما تعج به ميزانية العامة من مشروعات ومبادرات يمثل تحدياً جسيماً؛ والسبب أننا قضينا سنوات تُعلن فيها ميزانية جلّ انفاقها على البابين الأول والثاني، أي رواتب ومصاريف إدارية ومستهلكات، تبعتها حقبة فاق فيها ما يخصص للإنفاق الرأسمالي لتكوين الرأسمال الثابت استثماراً في الأصول الثابتة مثل البنية التحتية والمدارس والجامعات والمستشفيات ومشاريع الاسكان والنقل من طرق ومترو الخ.. فاق كل تصور ووضعنا في مقدمة البلدان نسبة للناتج المحلي الإجمالي. ويتجسد الانفاق الرأسمالي في المشروعات، ولكل مشروع منها تفاصيل وتكاليف وفرق عمل ومقاول او أكثر، وإنجاز هذه المشاريع كما هو مطلوب أمر يستحق الاحتفاء؛ فهي لبنات في بناء وطننا ودعائم في تنمية البلاد وإسعاد المواطن وتوسيع فرص النمو الاقتصادي. وحيث إن اقتصادنا ما زال مرتهنا للنفط، وأننا نعايش محاولات لتنويعه مثل اتاحة الملكية الكاملة للشركات الأجنبية في قطاع تجارة التجزئة والانفتاح على الاقتصادات الكبيرة عبر شراكات استراتيجية مثل ما طُرح على الولايات المتحدة الأمريكية، للتعامل مع تحدي التنقل من حال لحال، والمواءمة للانتقال من ارتفاع إيرادات النفط إلى تراجعها، كل ذلك يستوجب تَمعناً: كيف ستمول ميزانية العام القادم؟ أي ما هي الخيارات المتاحة وما تلك التي يمكن التَفَكرّ بها واستحداثها؟ من حيث المبدأ الأمر ليس صعبا: خفض مصروفات أو زيادة إيرادات أو المزج بينهما، أما من حيث التطبيق فالأمر يحتاج إلى صرامة. وهذا يتطلب السعي للتعرف على تفاصيل التطبيق في العام القادم بإعلان ميزانيته قبل حلوله بوقت فسيح لتنطلق الصافرة مع ولادة العام القادم ومنذ ساعاته الأولى، وفي نفس الوقت نعكف على جَردّ ما أنجزناه في العام الذي على وشك أن ينقضي، فما أن يأتي يومه الأخير إلا وقد: عرفنا ما أُنجز وما لم يُنجز، وتمعنا في الأسباب، وقررنا كيفية المسارعة لتفادي أي قصور. بذلك يكون اليوم الوطني يوماً لاستحضار إنجازات الماضي وتحديات الحاضر وآمال المستقبل، وليس الاكتفاء بأن يُظهر الواحد منا مشاعر جياشة موسمية دون ممارسة مسئوليتنا اتجاه وطننا؛ بأن نَبزّ المنافسين إنجازاً، وبأن نحافظ على موارده حرصاً، وبأن نكون الأعلى انتاجية كداً وكدحاً.