حسين السنان

الطفل القادم من البحر!

منذ يوم أمس وصورة الطفل السوري الملقى على أحد شواطئ تركيا لا تكاد تفارق مخيلتي! ذلك الطفل المبلل بماء البحر المالح والنائم على الرمل الناعم وهو يرتدي كامل حلته ببهاء بريء وبقسوة الموت ورهبته المؤلمة. الطفل الصغير طري العود الذي تشبع بهموم وطنه مبكراً بمقدار الماء الذي تشبعته رئتاه الصغيرتان اللتان تنفستا دخان الحرب في بلده وهواء الظلم الذي لم يرحم صغيراً أو كبيراً ثم تاهتا بين أمواج الخوف والهجرة حتى وصلتا إلى شاطئ الموت الذي خالتاه نجاة لهما وهما متشبعتان بمائه المالح!صورة الطفل الغريب عن وطنه تحكي جانبا من مأساة كبيرة لشعب كامل لن يسامحنا التاريخ عليها مهما حاولنا تلميعه أو غسله فيما بعد، فماء البحر الذي اغتسل به الطفل أقوى من أي خطاب أو استنكار أو آلة تزييف إعلامية. ولدي الصغير ياسر في نفس عمر ذلك الطفل تماماً، ولعل هذا الأمر كان سبباً آخر لمضاعفة ألمي وغصتي وأنا أشاهد تلك الصورة التي وصلتني عشرات المرات، كنت أحاول معرفة مصير والديه وكيف هي حال أمه وهي ترى طفلها الذي ألبسته قبل ساعات قليلة قميصه الأحمر وشورته وحذاءه الصغير ومشطت شعره، كيف هو حال والده وهو يرى صغيره الذي كان ينام بين ذراعيه أو يتعلق بثيابه عندما يعود من خارج البيت؟! هل رأى الوالدان قطعة فؤادهما مرمية على الشاطئ؟! أم ابتلعهما البحر وغابا في قيعانه المظلمة؟!أعلم تمام العلم أن الكلام العاطفي لا وزن له في موازين السياسة والحروب ومصالح الدول، وأن لا تلك الصورة ولا ألف مثلها من الممكن أن تهز شعرة لدى أرباب السياسة والمصالح الذين يديرون الحروب، فالحرب المستعرة منذ أربعة أعوام في سوريا دفع ثمنها الشعب السوري بمختلف أديانه وأعراقه ومذاهبه، ولم يفرق الساسة المتمصلحون والدول المتمصلحة من الحرب بين دين وآخر أو عرق وآخر حتى نما السرطان الخبيث القذر «داعش» في الجسد السوري واستباح دماءه وانتهك أعراضه وباع بناته إماء في سوق النخاسة بعد عزهن وأمنهن. لا يهمني من هو السبب فيما يجري في سوريا، هل هي الدولة «س» أم الدولة «ص»، لا يهمني دين ومذهب القاتل والمقتول فالمذاهب الإسلامية في واقعها النظري الحقيقي محترمة ولكن تطبيق الطائفيين لمذاهبهم وانتماءاتهم حسب تفسيراتهم وأهوائهم الخاصة لم يأت للأمة إلا بالدمار، فتباً لهم هم وحدهم! وتبقى المذاهب الإسلامية جميعها دون استثناء محترمة ومكرمة عن غثائهم الطائفي. إن ما يهمني أنا وكل الناس العادية في الشارع العربي والإسلامي أن يتوقف هذا الدمار الممنهج لإخوتنا في سوريا، وأن يعيش الشعب السوري الشقيق في أمن وكرامة، إن كل الأطراف المتصارعة في سوريا من الشرق والغرب والشمال والجنوب شركاء في الجريمة الواقعة على الشعب السوري والمكابرة في المواقف هي التي فاقمت من هذا الصراع السياسي اللعين.ستبقى صورة الطفل الملقى على شاطئ البحر محزنة لفترة كما كانت صورة محمد الدرة محزنة وقيلت عنها القصائد ورسمت حولها اللوحات الفنية والمؤتمرات الخطابية والحفلات التأبينية ثم طواها النسيان في دفاتره وغابت عن ذاكرة الناس، وللأسف لن نستطيع إيقاظ الضمير المستفيد من الحروب لأنه لم يكن يوماً من الأيام حياً من الأساس ولن يستيقظ حتى لو غرق كل أطفالنا في بحر الحروب!