أ. د. عبدالله العبدالقادر

وثيقة «كامبل بانرمان السرية» ومستقبلنا مع الغرب

وسط تلاطم الأنباء وتعدد مصادر الفتاوى الاقتصادية والسياسية في هذه الأيام وغموض المنظور الاقتصادي ومخارجه السياسية والسيادية على منطقتنا بالخصوص والعالم العربي في المنظور الأكبر ومع طأطأة أسعار البترول هذه الأيام ومردودات مخاوف التعاون الأمريكي الإيراني السري على المنطقة. ولضرورة تكوين نظرة متوازنة للحاضر والمستقبل أجد لزاماً على أقل تقدير على طبقات المثقفين الرجوع إلى صفحات التاريخ القديم والحديث فالحاضر غرس الماضي والمستقبل زرع الحاضر ولاستكمال الحدث وحسن التخطيط بجب لزاماً كذلك إعمال آلة العقل والحساب لما سيكون عليه المستقبل في ساحتنا وساحة الآخر، وهنا أخص في حديثي عن الآخر الغرب بثقله الأوربي والأمريكي. ومن هذا المنطلق ومن باب ذكر الأهم نرى هنا أن تكوين نظرة عقلانية موزونة لعلاقتنا الحالية مع الغرب يجب التركيز على ما نراه نقطة الانحناء التاريخية الأهم في القرن الماضي وبالتحديد وثيقة كامبل بنرمان السرية ففي عام 1905م دعا حزب المحافظين البريطاني بشكل سري لعقد مؤتمر الهدف منه «إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول وقت ممكن»، وشاركت في حضور المؤتمر كل من: بريطانبا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا. واستمر انعقاد المؤتمر (مؤتمر لندن) من عام 1905م إلى عام 1907م. وشاركت في المؤتمر لجنة من الدول الحضور مؤلفة من كبار علماء الاقتصاد والتاريخ والجغرافيا والزراعة والاجتماع والبترول. وقد اتفق المؤتمرون على أن «البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار لأنه الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم وأيضا هو مهد الأديان والحضارات، والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ والدين واللسان.. وفي عام 1907م قدم المؤتمر توصيات سرية وعاجلة لرئيس وزراء بريطانيا، كامبل بنرمان، الذي ينتمي لحزب الأحرار الحاكم حينئذ، ومنها التوصية التالية: «إن إقامة حاجز بشري قوي وغريب على الجسر البري الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر الأبيض المتوسط بحيث يشكل في هذه المنطقة وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة». وفي النهاية خرج المؤتمرون بتوصيات متضمنة التوصية هذه وسموها (وثيقة كامبل) وقد سبق هذا المؤتمر، المؤتمر الصهيوني المنعقد في مدينة بازل في سويسرا عام 1897م لغرض إقامة وطن يهودي لجميع يهود العالم ونتيجة ذلك حاول الزعيم الصهيوني ثيودورهرتزل إغراء السلطان العثماني البطل عبدالحميد الثاني بالمال والامتيازات مقابل أن يسمح لهم بتحقيق مطلبهم في فلسطين، لكنه رفض ذلك في موقفه التاريخي المشهود. فاتفقت بريطانيا وفرنسا سرا أثناء الحرب العالمية الأولى في مايو 1916م على تقسيم البلاد العربية بينهما واستعمارها فيما عرف بمعاهدة (سايكس ـ بيكو) والتي تتضمن تفاهمًا سريًا بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في المنطقه.والمؤكد في الأمر أن وثيقة كامبل هي المخطط الأساسي الذي مثل النواة لما بعده من أحداث انتهت باحتلال فلسطين، وتم الاتفاق مع بريطانيا على أن يكون اليهود هم «الجسم الغريب» المذكور في الوثيقة، فصدر بعدئذ وعد بلفور البريطاني في 2/11/1917م بإقامة وطن لليهود في فلسطين وأعطيت لهم بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 الصادر في 29/11/1947م. وكون الأمم المتحدة حينئذ -وما زالت- واقعة تحت التأثير والهيمنة الأوروبية والغربية، فقد هيأ ذلك قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948م ورغم تشعب المعطيات لأحداث الساحة الإقليمية والعربية هذه الأيام من فتن الشام والعراق ودواعش الهلال الخصيب وحوثيي اليمن والتي يمثل في رأينا فيها المعمم الفارسي العامل المشترك الأكبر إلا أن هذا الأخير هو أيضاً جزء من توابع وثيقة كامبل بانرمان السرية وهذا تأكيد هام جداً للجيل الجديد لمنع الشتات الذهني الذي قد يضيع علينا الزمن دون فهم ما يجري وأحداث التاريخ قد تكون مرتبة أكثر مما نتوقع مع حدوث متغيرات لا تؤثر على المسرى العام للحدث الذي يجب أن نقرأه هكذا بعقلانية وهدوء تمكننا من تفكيك شفرات فتن الحاضر والتخطيط الحاذق للمستقبل.