خالد الشريدة

السوريون دون غطاء إنساني عربي

أكثر من معاناة، وليس أقل من مأساة تلك المناظر الصادمة عبر الفضائيات للاجئين السوريين الذين يحاولون عبور البحار، واختراق السياج الحدودي في الدول الأوروبية؛ بحثا عن ملاذات آمنة وحياة مطمئنة بعد أن فقدوا كل شيء في وطن يتمزق وينفجر يوميا، ولا يبدو في الأفق حل أو تسوية أو معالجة لهذه المترادفات العنيفة التي تفتك بالبشر والحجر.وليست محطات الوصول آمنة أو تمنح الاستقرار، وإنما هناك معاناة أخرى تنتظر هؤلاء المساكين حين يعبرون بحرا أو يخترقون سياجا، وكثيرون ربما شاهدوا منظر تلك اللاجئة السورية التي اضطرت لوضع جنينها في محطة قطار بودابست، إنها الحياة القاسية التي تولد في المجهول بلا وطن أو سكن أو بيت، ولنا أن نتخيل من خلال هذه الواقعة حجم المعاناة التي يعيشها أشقاؤنا السوريون في بلاد الله الواسعة؛ هربا من جحيم الحرب والموت والدمار.من حيث المبدأ يفترض ألا يتجه السوريون الى غير البلاد العربية، وتلك قصة للأسف يطول الحديث فيها، ولكن لنبقى في إطار سطحي للمعاناة يلتقط هؤلاء الأشقاء ويبتعد بهم من نيران الوطن المحترق والمتصدع والمنهار، فكل لاجئ سوري يرغب في الهرب يفترض أن يجد له ملاذا واحتضانا كريما ولائقا في كل البلاد العربية تحت إشراف ما يسمى بالجامعة العربية التي لم تبادر هي أو أي من منظماتها التطوعية أو الإنسانية الى فعل شيء يتعامل مع هذه القضية.جهود الدول العربية منفردة لا تكفي، وتحتاج الى عمل جماعي تتصدّره المنظمات الإنسانية والخيرية وكل عربي لديه القدرة لتقديم دعم يسهم في استضافة كريمة لكل سوري ضاقت به بلاده، وتلك مسؤولية أخلاقية وإنسانية واختبار حقيقي لجدوى هذه المنظمات المدنية التي اعتادت أن تصرف ميزانيات ضخمة فيما لا جدوى منه، أو تحصل على دعم من فاعلي الخير ولا تحسن إنفاقه في أوجهه الحقيقية، والسقوط في الاختبار الإنساني السوري يعني شهادة وفاة لها.نتفاءل بأن يعود السوريون بعد هذه المعاناة الى وطنهم الجميل وهو مستقر ومخضر ويجود بخيرات الطبيعة، ولكننا لن نتفاءل بجدوى استمرار أي منظمة إنسانية وخيرية عربية لم تفعل شيئا من أجل أشقائنا المنكوبين، فذلك هو الهدف الحقيقي من وجودها وعجزها عن توفير غطاء إنساني مؤثر للسوريين يعريها ويكشف حقيقة وزيف منهجها في العمل، وأنها مجرد شعارات إنسانية فارغة ومن غير جدوى على الصعيد الإنساني.وإذا كانت الجامعة العربية عاجزة ولا تفعل شيئا ذا قيمة لأولئك الذين يغرقون في البحار أو يتوهون في بلدان لم يخطر ببالهم أن يلجأوا اليها، ويقطعون المسافات الطويلة سيرا على الأقدام، ولم يؤثر ذلك في إنسانية وضمير كل منظمة إنسانية ومن يقومون بأمرها، فعليها السلام ولتذهب غير مأسوف عليها.ولنسأل.. هل رأيتم أو قرأتم عن أي فعالية كمؤتمر أو منتدى لجمعيات النفع العام العربية؛ لمناقشة أوضاع اللاجئين السوريين طوال سنوات الأزمة؟ وهل اجتمعت على تنسيق لفعل شيء من أجل هؤلاء الضحايا الذين انتهت بهم المنافي ضائعين ومفقودين وموتى؟ إنها منظمات وواجهات لمكاسب خاصة بمن يقومون بأمرها وآخر ما تخطط له أو تفكر فيه الأبعاد الإنسانية ونحن أمام حالة حقيقية وهي السوريون الذين كانوا يمسون ويصبحون في أحد أجمل بلاد الله، وكانوا يكرمون وفادة كل من يأتيهم، ولكن هؤلاء يبدو أنهم غير مشغولين بهم ليردوا بعض الدين ولا نطمع في كله.