أ. د. عبدالله العبدالقادر

سوق الأسهم وقلوب السعوديين

في العام ٢٠٠٧ للميلاد جمعتني مجريات التجهيز الطبي لمركز الأمير سلطان لمعالجة وجراحة القلب بالأحساء مع أحد الشخصيات الهامة في الصناعة الطبية العالمية والمتخصصة في صناعة وتقنيات غرف عمليات القسطرة، وكان يفوقني بما يقارب ثلث قرن عمراً، وكان وكجزء من عمله يستحثني لشراء عدد أكبر من تجهيزات القسطرة، وحيث كان يعتمد لغة علمية راقية فقد همس في أذني بكليمات لا تزال تتردد في خاطري حين قال (أنتم أيها السعوديون بحاجة ماسة للمزيد من غرف عمليات القسطرة القلبية فأنتم على وشك الدخول في دائرة مصيدة الأسهم) وقد كان وذلك بعد أسابيع من لقائي به، ومنذ ذلك الحين ونحن نترقب ونعمل على التعامل مع هذا القادم الجديد على مجتمعنا السعودي أو بالأصح جديداً على معظم السعوديين، والقاسم المشترك الأكبر والأصغر بل والمقام المشترك لجميع عمليات القسمة في ما يخص الأسهم هو الضغط النفسي المستمر الذي يعمل في الجسم ما يشبه الشمعة التي تتوقد دائماً ولكنها تتفجر ناراً ضارمة بين الحين والآخر، وفي حالة تتبع متغيرات الجسم لمزاولي هذه المخاطرة غير المحمودة، تتبين حقيقة الهدم الذي تمارسه الضغوط المحسوسة واللامحسوسة في الجسم البشري بسبب محفز التوتر الناتج عن حالة القلق المستديمة التي يعيشها متابع شاشات سوق الأسهم، وهذه الضغوط المستديمة والتي يراها عامة الناس في شحوب الوجه ونفاد الصبر والتوتر في التعاملات نراه مجتمع الأطباء المتخصصين في تغيرات عصبية وهرمونية وفيزيائية حيوية يكفل استمرارها حدوث نضوب ذهني وانخفاض في القدرات التعليمية والذكاء الحدسي والعملي وسوء تدبير في اتخاذ القرارات وخصوصاً الحاسمة منها، وفي الآونة الأخيرة رصدنا تفاصيل أكبر لمدى التخريب والهدم الذي تسببه هذه الضغوط المستديمة من خلال آلية جديدة على المجتمعات الطبية والعلمية تتمثل في رصد انخفاض واضح ومستمر لرصيد التباين النبضي لقلب المتابع لتلك الشاشات المتلونة وبالأخص ما ينبئ عن انخفاض التموين العصبي اللاسيمبثاوي وهو يعني في لغتنا انخفاضا مخيفا لقدرة القلب والجسم على التأقلم النفسي والفسيولوجي مما يعني بالضرورة زيادة احتمالية نزول النكبات الصحية وعلى رأسها الجلطات القلبية والسكتات الدماغية ونضوب البنكرياس وحدوث السكري وارتفاع الضغط الشرياني وضعف مناعة الجسم مما يجعل الجسم مهيأ لسلسلة طويلة من الأمراض الجرثومية والسرطانات، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ان نوعية الحياة النفسية تصبح محتلة بساعات الكآبة المزمنة التي تحيل حياة صاحبها إلى ضيق مستمر وقانا الله وإياكم شرورها جميعاً، ولقد سعدت صباح هذا اليوم بتصريحات أصحاب الشأن المطمئنة والتي تنقل خبر تلاشي المؤشرات الحمراء وفي هذا الشأن صرح د.أحمد الخليفي، وكيل محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) للأبحاث والشؤون الدولية، أن الاقتصاد السعودي يتمتع بتقييم مرتفع مقارنة مع دول العالم وهذا مطمئن لنا مجتمع الأطباء كما هو لأصحاب الشأن المالي والأسهم، وهذا التقييم المرتفع هو في حقيقة الأمر بدعم من احتياطيات مالية ضخمة تساعد المملكة على امتصاص أي صدمات خارجية، ويمكنها من مواجهة تداعيات ما يجري في الأسواق المالية العالمية، متوقعا نمواً بنسبة 3% للاقتصاد السعودي في المنظور القريب وهو الأمر الذي نتمنى أن يؤثر مباشرة على قلوب السعوديين الذين كما توقع زميلنا الألماني في العام ٢٠٠٧ميلادية، يحرقون أنفسهم كما أوضحنا مبكراً بالتفافهم الكبير ونهمهم المتتابع على شاشات الخوف والمرض والبأس مما أحال من كان يسمى كبار الشخصيات والمتأنقين في مجتمعاتهم إلى ارتكاب فضائح تلطيخ شاشات أسواق البورصة والبنوك بالحدث الأصغر ولكن هذه المرة وهم في سن الرشد والكمال وهنا لا نملك إلا أن ندعو لهم بسلامة القلوب ورجاحة العقول حتى يعودوا إلى رشد وسلامة والله المستعان أولاً وآخراً.