سالم اليامي

ليبيا والقوة العربية

لم تكن تلك الجلسة التي عقدتها الجامعة العربية في 18 أغسطس بالقاهرة على مستوى المندوبين الدائمين للدول الأعضاء بشأن ليبيا، ومناقشة الأوضاع وآخر التطورات فيها، هي الأولى، إنما ميز هذه الجلسة أن الوضع في ليبيا وصل إلى مرحلة غير مسبوقة من التدهور، وكانت هناك تقارير متواترة حول تزايد درجة وحدة خطر تنظيم داعش الإرهابي في مدينة سرت، إلى درجة أن منظمات حقوقية عربية ودولية تحدثت عن مجازر راح ضحيتها مدنيون عزل. جوهر هذا اللقاء العربي الخالص لحل أو تحريك المعضلة في البلاد الليبية واضح للغاية، حيث يقوم على طلب من الحكومة الليبية الشرعية والمعترف بها دولياً للتدخل العربي، وهنا يجب التوقف عن مفردة تدخل والتي قد تعني المفهوم المباشر للتدخل العملي من قبل أطراف أو طرف عربي، كما قد تعني المساعدة ومد يد العون بالسلاح وبالمشورة، أو حتى بالضغط والتأثير السياسيين. المهم أن الوضع الداخلي الليبي وأعني به الفرقاء الليبيين الرئيسيين صعدوا من حدة الخلاف فيما بينهم على إثر هذه الجلسة، حيث ذهب الفريق الحكومي الرسمي وما بات يعرف بحكومة وبرلمان طبرق إلى نهاية الطريق، حيث تم الإعلان وبوضوح على لسان السيد وزير الخارجية الأستاذ الدايري عن الرغبة الليبية بالتدخل العربي العملي لإنقاذ الأوضاع في ليبيا من تغول المجموعات الإرهابية التي يرى هذا الجانب أنها تؤكد باستمرارها على أمرين، الأول استمرار تغييب الدولة والنظام والحل مكانهما، ثانيا عرقلة المساعي التي قطعت شوطاً في سبيل الحل السياسي السلمي. في الجانب الآخر أعلن المؤتمر الوطني الليبي العام الذي يقود الأوضاع في العاصمة، والمعروف انتهاء ولايته منذ فبراير 2014م رفضه التام لفكرة التدخل العربي وخاصة في شكله العسكري جملة وتفصيلاً، وعزت المصادر الإعلامية التابعة للمؤتمر تصرف الحكومة المؤقتة بأنه هروب من استحقاقات المصالحة السياسية التي باتت قريبة وتلوح في الأفق. وهذا التفسير مقلق في حقيقته ويصور النزاع والتمادي الذي تشكله المجموعات الإرهابية على انه صراع داخلي وذو آثار محلية لا أكثر.. وهذا في تقدير أكثر من مراقب مخالف للحقيقة في البلاد التي تعيش مأزقا حقيقيا، على المستوى الإنساني والاستراتيجي، وقد تمتد آثاره إلى أبعاد غير منظورة الآن. الشيء الايجابي في كل ما حدث أن الجامعة العربية أقرت وبإجماع ضرورة مساعدة ليبيا والليبيين سياسياً وعسكريا، لكن هذه الايجابية فقدت بريقها عندما ظهر التباين العربي في الكيفية والآلية، وأزعم أن الخلاف بين العرب الذين تجمعوا صار أكثر وضوحا عندما تركت آلية التحرك للخيارات الفردية، بمعنى أن كل دولة عربية تقرر بمفردها وبحسب رؤيتها، ما يمكن أن تقدمه لليبيين الذين يعيشون مأزقا حقيقيا اليوم!. المحيط العربي اليوم يتحمل مسئولية أكبر من أي وقت مضى، في التحرك المناسب والموحد ضد الأخطار الحقيقية التي تهدد وحدة وسلامة البلاد الليبية، هناك مسئولية سياسية كبيرة يجب التصدي لها بجسم عربي أكثر تماسكا وتوحدا، تبدأ من التحرك السريع في أروقة الأمم المتحدة لتفعيل القرارات الدولية بمساعدة الجانب الشرعي في ليبيا، وهناك مسئولية أكبر جوهرها أمرين في تقديرنا، الأول: ضرورة تجنب الرؤى المتعددة للمساعدة العسكرية العربية في ليبيا بين الرؤية المشارقية والأخرى المغاربية، وضرورة الاستفادة من مقررات قمة مارس الماضي في شرم الشيخ التي أسست لتفعيل القوة العربية المشتركة أو على الأقل نواتها الأولى، الوقت يمضي سريعاً والأوضاع في البلاد الليبية تزداد سوءا وخطر الليبيين على أنفسهم لم يتوقف منذ سنوات، ومخاطر تمدد الجماعات الإرهابية يستفحل.. والمجتمع الدولي لم يقل كلمة واضحة حتى الآن. وما للعرب إلا التحرك كرجل واحد وبقوة.