د. غازي الشمري

الوجبات السريعة

إن تناول الوجبات السريعة من الأمور التي استحدثت في النظام الغذائي العربي، وذلك ضمن حمى العولمة التي أصابت العالم. وعلى الرغم من أن الثقافة الأمريكية تدعي أنها ثقافة الجسد الوظيفي الذي يتسم بالنحافة والرشاقة والقوة بسبب ركام المكملات الغذائية الدوائية التي أفرطت الحضارة الأمريكية في إنتاجها.. بالرغم من هذا، فإن هذه الوجبات تحوي معدلات عالية من السعرات الحرارية وخاوية من العناصر المغذية، وتنطوي على الكثير من الأضرار الصحية بالغة الخطورة، مما جعلها تلعب دورا أساسيا في أمراض هذا العصر، كما أنها سبب جوهري في فتور العلاقات الاجتماعية والتباعد الأسرى بعد أن كان الطعام هو الذي يجمع أفراد كل الأسرة ثلاث مرات يوميا على الأقل.فتناول الأطفال لهذا النوع من الوجبات بما تحتويه من كميات كبيرة من الدهون ومكسبات الطعم، تؤثر على كيمياء المخ، وتسلبهم الإرادة في التوقف عن تناول هذه الوجبات مثلما يحدث مع المدخنين، كما أظهرت الأبحاث أن كثرة تناول الوجبات السريعة تعمل على تنشيط الجين الخاص بالسمنة بصورة مرضية.وتُعدُّ السمنة من أخطر الأمراض التي تهدد صحة الإنسان، وهى تعتبر أول الأعراض الناتجة عن تناول مثل هذه الوجبات السريعة، خاصة عند الأطفال. وقد أظهرت دراسة أمريكية أن تناول الوجبات السريعة يزيد درجة قصر النظر بالمقارنة بتناول الوجبات الغذائية الغنية بالبروتين، وقد أكد الباحثون أن زيادة استهلاك الأطعمة النشوية في مراحل الطفولة والشباب قد يكون وراء زيادة معدلات الإصابة بقصر النظر.وأوضحت باحثة أمريكية أن تناول السكريات‏ والأطعمة السريعة‏ والدهون بكثرة يغير سلوك الأطفال‏، وأن الوجبات السريعة تدفع إلى خمول العقل وكسله وإلى ترهل الجسم!ويكمن الحل الجذري لمشكلة بدانة الأطفال في رأي هؤلاء الخبراء فيما يصفونه بتعديل وتغيير البيئة التي نعيش فيها، أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء لعشرات السنين فيما يتعلق بالغذاء، فاليوم يتم إعداد أغذية غنية بالطاقة والدهون للأطفال، والبدانة تحدث عند الأطفال بسبب هذه الدهون لأنهم يكتسبون طاقة أكثر مما ينفقون.هذا فضلا عن أن ظاهرة الوجبات السريعة تمثل أحد مظاهر التغريب التي غزت أمتنا، والتي أفقدتنا حس التماسك الاجتماعي، والدفء الأسري.وبدلاً من قيام الرجل بتناول الإفطار والغداء والعشاء في بيته، وسط أهله، بين أمه وأبيه، أو مع زوجه، أو وسط بنيه، صار يتناول أي طعام يحصل عليه من الطريق أو من جانب عمله أو من أي مكان.إن ثقافة الـ «تيك أواي» هذه قد أدت إلى تقليص الفترة التي يجلس فيها الآباء مع الأبناء...لقد كان الأب قديمًا يتناول فطوره بالمنزل مع أهل بيته، وكان البيت يرسل لمن في الخارج طعامه، وكان الأب في منتصف النهار يقيل في بيته متبعًا إياه بتناول وجبة الغداء مع أهله، ثم تكون وجبة المساء التي تكاد تجمع الجميع في دفء عائلي نفتقده هذه الأيام.وهكذا ضاعت من بيوتنا قيمة غالية حيث انفرط عقد جلسة تجمع الأسرة ثلاث مرات يوميًا، تلك هي عواقب ثقافة الـ «تيك أويي» التي تقودنا إلى ضرر بدني واجتماعي، لا يعلم مداه إلا الله تعالى وحده.