طرفة عبدالرحمن

الأحلام القاتلة

نحتاج أن نؤكد مرارا، أن التأني في تلقي أي خبر متداول في وسائل الإعلام –وتحديدا عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحف الإلكترونية- أمر يجب الأخذ به، بل يلزم أن نتعلمه جيدا وندرب أنفسنا عليه. خلق الله الناس متفاوتين في القدرات العقلية والعاطفية والأخلاقية، لذلك نجد أن طريقة فهم الأخبار والمعلومات تتفاوت من فرد لآخر، فهناك من يملك القدرة على قراءة ما وراء الخبر بطريقة ذكية وليس «متذاكية»، واعية؛ تفهم جيدا أن للحقيقة وجوها متعددة. في المقابل هناك من يقف على حد الخبر والمعلومة ويصدقها تماما كما هي، لكن المشكلة الأبرز تظهر في الفئة التي تزايد على الخبر، خاصة في الأخبار المحلية الاجتماعية المتعلقة بقضايا المرأة أو الأخبار الخاصة بقضايا المؤسسات والتنظيمات الحكومية، ويبدو أن سبب الاهتمام بها يعود إلى كون الخبر الذي يتم تداوله ملغما بالإثارة. فنحن نلاحظ كيف يتفاعل الناس مع أخبار على ذلك الوزن كما في قضية التحرش بالفتيات في أحد الأماكن العامة أو خبر ذلك الرجل الذي هشم رأس زوجته الحامل، وأخيرا قضية المرأة التي توفيت في إحدى الجامعات «رحمة الله عليها» بسبب عدم قبول ابنتها في التخصص الذي أرادته. المهم هنا أنه مع تسليمنا أن الناس يمتلكون قدرات متفاوتة في فهم الأخبار والمعلومات وبالتالي اختلافهم في التعاطي معها والتعليق عليها، إلا أننا نشهد ارتفاع نسبة المنساقين إلى ظاهرة (حب المزايدة) والنظرة السلبية الدائمة، وأحيانا الجهل بطريقة فهم الحقائق، خاصة تجاه بعض المؤسسات التنظيمية الحكومية، فعلى سبيل المثال نلاحظ أن الشائعات التي يتم دحضها بتصريحات رسمية من تلك المؤسسات لا تلاقي قبولا وفهما مستساغا لدى البعض، لكونهم متأثرين بالصورة الذهنية السلبية المطلقة والمسبقة عن تلك المنظمات. ليس الذكاء وحسن الفهم والإدراك أن تطعن في كل المعلومات الإخبارية وترى أن للحقيقة منطقا واحد لا تحيد عنه، وليس الذكاء أيضا في أن تتلقى الأخبار والمعلومات بتصديق مطلق وبإدراك لا يخالجه درجة معقولة من الشك المنطقي والمقبول. إن المتأمل في حادثة المرأة التي توفيت في الجامعة إثر تعرضها لضغط نفسي «رحمها الله» يعي أن الناس تتعاطى مع الحقائق بوجه واحد وأن فئة قليلة هي من تحاول قراءة الحقيقة بزواياها المختلفة، فالخطأ من كل الأطراف وارد، والمؤلم أن أخطاء بسيطة قد يرتكبها البعض ويخفيها تتسبب في كوارث تبلغ حد الموت.. من المهم أن نفهم من هذه الحادثة أن (الأحلام الملحة) التي تسير أهدافنا في الحياة قد تقودنا إلى حتفنا بطريقة محزنة.. يجب ألا نتفانى كثيرا حد الألم والتعب في تحقيق حلم بعيد المنال إلا إذا كنا قادرين على تحمل شعور صدمة عدم بلوغه. علينا أن نستصعب تقديم قطعة من صحتنا النفسية أو الجسدية لأي هدف غير سام ونبيل. كل الأحلام المتعلقة بالعمل والدراسة والزواج والنجاح المالي والاجتماعي، أحلام جميلة وملحة لكني لا أرى أنها جميلة وسامية إذا كان السبيل إلى تحقيقها يعبر بإرهاق نفسي وجسدي يحجبنا عن العيش بسلام ومتعة مع جمال الحياة، ولا أظن أن الحلم الذي يسبب صدمة قاتلة في حال عدم بلوغه هو حلم جميل ونبيل.  إعلامية وباحثة اجتماعية