د. عبدالعزيز الأحمد

ماذا في قلبك؟!

القلب مركز الجوارح ومصدر الأعمال؛ وسر عجيب من أسرار الإنسان، تراه يريد ويهتم، ويحب ويكره، ويقبل ويدبر.. هو لحمة بقدر قبضة اليد، لكن داخله علوم وأعمال ومعارف وكنوز، وهو بنشاطه وتفاعله سر من أسرار الله نرى آثارها، ولذلك جعله الله منطلق الأعمال، ومكان النظر والتقييم «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».من ذلك، أنّ الله تعالى إذا أراد تمكين عبد في الدنيا واصطفاءه؛ عرّض قلبه لعقبات الحياة وتعرجاتها فإذا اجتازها تمكن، وإذا فشل تأخر!إمام الموفقين؛ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الذين كانوا معه في الحديبية، كانوا صادقين مقبلين متيقنين من معية الله ونصره، قال تعالى: «فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً»، وبعد عدة آيات يذكر الله ماذا ملأ المشركون قلوبهم: «إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية»، لكن العاقبة لمن ملأ قلبه إيماناً: «فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها»، فالمؤمنون تجاوزوا الامتحان فنزلت السكينة والتوفيق، بخلاف عدوهم.مثل هذا ما ذكر الله تعالى في تفاصيل غزوة بدر.. لما توجهت القلوب لله وصدقت بدعائها وقربها: «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم»؛ فانهال النصر من الله وقويت القلوب ونزلت الملائكة، وينهي الله سورة الأنفال بكلام محكم فاصل بين أن المعول عليه هو علم القلب وعمله وسلامته من الضعف والخور وثقته بالله وصدق اللجأ إليه فقال جل شأنه: «يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم».حقاً، إذا علم الله صدق النية نال صاحبها أمرين:1. يعوض عما فات من دنياه بأفضل منها.2. يغفر له ماضيه بصدق نيته.ومثال ذلك من غض صوته في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فدل على أدب قلبه فنال أجورا عظيمة: «إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم». فكيف إذا شفع العمل النية واستمر في الخير؟! حينها تتضاعف الأجور وتسعد الصدور وتغفر الأوزار..القلب.. مثله مثل سائر الجسد، يصاب ويمرض، ويصح ويسلم، ويحيا ويموت؛ فكلما تنور بالإيمان والعلم بالله وآياته سلم وصح وطاب، وإذا احتوشته الشكوك والشبهات والشهوات وانساق خلفها مرض، «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً»، فإذا غرق بها أكثر وأحاطت به الخطايا والذنوب وأشربها مات: «كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون»!وهذه التغيرات التي تصيب القلب تعرض لأي إنسان، لكن المؤمن يتذكر ويتضايق فلا يستقر حتى يزيل سواد الذنب من القلب، ليرق ويطيب ويكون أهلا لحب الله وعونه وتأييده، والأعمال التي تحيي القلب وتطيبه، كتلاوة القرآن، والتفكر في الكون والحياة، والإقبال على الصلاة والمحافظة عليها، والصيام والزكاة والصدقة والحج والعمرة والإحسان وبذل المعروف، وصلة الرحم وبر الوالدين وغيرها، فإذا طاب القلب سعد به الإنسان في الدنيا والآخرة، ففي ذلك اليوم لا ينجو إلا سليمو القلوب: «يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم». أستاذ التوجيه والإرشاد النفسي بجامعة القصيم