د. إحسان بوحليقة

قانون يُكَرّم البذل من أجل وحدتنا الوطنية

أرضنا هذه أخرجت أنبل البشر، وهي للكرم عنوان. وإن كان المواطنون متفقين على أهمية الحفاظ على الأمن والأمان والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وأن من يربك ذلك سينال جزاءه، فعلينا ألا ننسى أن من يصون الوحدة الوطنية ويبذل ويُعطي من أجل تعزيزها سيُكَرّم، جزاء بجزاء وإحسانا بإحسان. إذ أن الأمر لا يتمحور فقط ويقتصر على إنزال العقاب بمن يسيء، بل لا يكتمل إلا بإزجاء التقدير لمن يُقدم وطنه على نفسه؛ لا سيما أن وطننا يزخر بأبنائه المحبين المؤثرين المقرين بفضله -بعد فضل الله تعالى شأنه.ومنذ نوفمبر 2014 عندما وقع الهجوم على الدالوة، تلقيت اتصالات عديدة، جميعها يواسي، والعديد منها يتساءل لماذا، وبعضها كان يطرح سؤال: ماذا نفعل؟ وقتها عرضت على أنظاركم في هذا الحيز، بل وفي غير مناسبة، أهمية استنان قانون لتجريم التحريض بشتى أنواعه وأصنافه، ولا سيما ما يفرق وحدتنا الوطنية ويفتئت عليها، وقتها ذكرت باتصال أتاني من الصديق د. عبدالعزيز العطيشان، عضو مجلس الشورى، تداولنا في ذات النقطة فذكر لي حينها (قبل ثمانية أشهر) أنه تَقَدم بالاشتراك مع آخرين في المجلس الموقر بمقترح لنظام لمكافحة التحريض والكراهية، وأنه قد مضى على ذلك أشهر طويلة. وكان الأمر يقفز للواجهة مع كل تحريض وكل هجوم إرهابي. وقد تجدد الحديث مؤخراً من زملاء أجلاء من مجلس الشورى ومن أصحاب الرأي والفكر من أنحاء وطننا الغالي.وكما نعلم جميعاً، فقد خص النظام الأساسي للحكم الوحدة الوطنية والحفاظ عليها بعناية فائقة، والسؤال: كيف نحقق ذلك، أخذاً في الاعتبار ما مَرَّ به الوطن من تحديات أمنية وهجمات تستهدف استقراره وأمانه، وتسعى لتصديع جبهته الداخلية وتفريق جمعه؟ وما تكرر مؤخراً في بلدة القديح في القطيف وحي العنود بالدمام. ومن نافلة القول إن وجود قانون محدد يقنن ويصنف الأفعال التي تعد جرائمَ افتئات على الوحدة الوطنية، أمر حرج الأهمية؛ لاعتبارات أهمها: تجريم ووضع عقوبات مقننة لمن يثبت ارتكابه لمخالفات أو جرائم تحت طائلة النظام، وبما يساعد على: بناء الاتهام، ونسبة الدعوى، وسرعة البت بها، وتضييق حدود الاجتهاد، وتقنين السلطة التقديرية، بما يسرع في صدور الأحكام ويعزز الاتساق والردع. ويمكن الجدل أن صدور نظام (قانون) هو أمرٌ ضروري لكنه ليس كافياً بحدّ ذاته؛ إذ لابد من التعامل تعاملاً منهجياً لتجفيف التحريض، باعتبار أن ذلك مطلب حقوقي أولاً، ولكونه ضرورة لصيانة سلامة المجتمع ووحدة كلمته والتفافه حول قيادته، ولقطع الطريق على أي فرد أو مجموعة أو منظمة أو دولة من الاشتغال بشأننا الداخلي وقضايانا الوطنية، فهذه شئوننا. وكما أنه (أي القانون) سيمنع أن نشتغل ببعضنا البعض، بمعنى أن يمنع التجاوز على مكونات المجتمع السعودي وأطيافه، فالوطن هو محصلة جمع وليس انتقاصا، بما يؤدي لبناء جهد منسق لكي يعتدّ كل منا بموطنهِ، فالمواطنة الصلدة هي قيمة تقوم عليها البلدان القوية والمستقرة، بمعنى أن الوطن هو وطنٌ لكل أبنائه يساوي بينهم في الحقوق والواجبات، بما يعني منع أن يتجاوز أي منهم على الآخر بالقول أو بالفعل بأي صورة، وإلا اختل التوازن. وليس محل شك أن استصدار قانون لمكافحة الافتئات على الوحدة الوطنية وتطبيقه بصرامة وحزم سيعزز اللحمة ويصون السلم الأهلي ويقوي جبهتنا الداخلية.وصدور القانون في هذا الوقت، يرسل رسالة واضحة ومتجددة بأن وطننا حارس أمين لصيانة القيم الجامعة للنسيج الوطني، بما لا يمكن معه التهاون من هتكه أو حتى السعي أو التخطيط أو التلميح بهتكه أو إيذائه، وأن من يفعل سينال الجزاء الرادع، ليس تحيزاً لأحد بل حفاظاً على وطننا الغالي، الذي هو بعد الله -سبحانه- الحصن الحصين لمواطنيه، يوفر لهم الأمن والأمان والعزة والكرامة. ولا بد في هذا السياق، بيان أن المسيء للوطن يجازى بفعله، والمحسن الذي يؤثر وطنه، فوطننا -بفضل الله- يقيم عالياً أبناءه دونما تمييز أو تردد، فالتكريم نصيب من ينجز ويبذل ويقدم من أجل الوطن، وأقرب مثال هو تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- الشهداء الأربعة (عبدالهادي الهاشم، محمد الأربش، عبدالجليل الأربش، ومحمد العيسى)، تقديراً لشجاعتهم، حينما آثروا التضحية بشبابهم حماية للصلاة والمصلين. مجنبين الوطن وأهله كارثة مروعة وإزهاق آلاف الأرواح الآمنة البريئة.