عبدالله المديفر

فن الحوار القصير

في رحلة طيران طويلة تجاوز جلوسنا على مقاعدها السبع ساعات، ورغم طول الرحلة التي أكلنا فيها أكثر من وجبة، وشربنا القهوة والشاي والمشروبات الغازية، إلا أنني لم أتبادل مع جاري في المقعد كلمة واحدة! ، وكان الصمت هو العلاقة الحقيقية بيننا، صحيح أنني كنت أحاول استغلال الوقت بالإعداد لحلقة في برنامجي التلفزيوني وإنهاء بعض الأشياء المتأخرة، والاستفادة من الوقت الطويل في إنجاز أعمال مفيدة إلا أن هذا ليس عذراً للافتراق بدون أن يقول أحدنا للآخر كلمة «الحمد لله على السلامة !.«فن الحوارات القصيرة» مع من لا نعرف أسلوب لا نجيده دائماً، ونفتقده كثيراً في حياتنا اليومية، ورغم مقابلتنا للعشرات يومياً إلا أننا نتوارى خلف ما نألفه لنتجنب ما نجهله، وكثير من الناس يتجنبون ويكرهون المناسبات العامة لأنهم يخشون لحظات الالتقاء بالشخصيات غير المألوفة، وحتى الذين يذهبون لها ينهمكون مع من يعرفونهم ويتفادون من لا يعرفونهم، وعندما نحاول إتقان فن «الحوارات القصيرة» ستتغير خارطة يومنا وستزيد المدخلات الإيجابية لصناديقنا المعنوية والعلمية .هل نحن نحاول الحديث مع عامل محطة الوقود في اللحظات التي يسكب فيها لترات البنزين ؟، وهل نفتح حوارات حميمة مع عامل المطعم ونحن ننتظر تسليم الوجبة ؟ ، وحتى نصل إلى ذلك علينا التخلي عن الثقافة القديمة التي تقول لنا : (احذروا من الحديث مع الغرباء).«الحلاقون» من أقدر الناس على الحوارات القصيرة، ولديهم القدرة على كسر الجمود الذي تحمله وجوهنا على كرسي الحلاقة، وهذه المهارة علينا أن نتعلمها منهم، فهم يحاولون قراءة الزبون بشكل جيد قبل فتح الحوار معهم، ويستطيعون نقل الحوار إلى منطقة أخرى عندما يكتشفون أن تشخيصهم لنفسية وعقلية الزبون مختلفة، ويتقنون إيجاد «الأرضية المشتركة» للحديث .«المبادرة» هي أولى خطوات «الحوار القصير» ، وتحَمل عبء البداية في الحديث سيورثك الراحة الأكبر في الأخير، وكثيراً ما تكتشف أن الطرف الآخر يملك رغبة أكبر ولكنه يفتقد للمبادرة .«الابتسامة» أفضل مفتاح للحديث، وتكسر كثيراً من العوائق بين الغرباء، فقبل الحرف الأول قدم الابتسامة الأولى، وتذكر أن «العين « تملك من الحديث أكثر من ما يملكه اللسان .الرسالة الأهم التي يجب أن تحضر في «الحوار القصير» هي إشعار الطرف الآخر بشيئين : «الأهمية» و «الراحة» ، فحتى يكون حوارنا القصير ناجحاً علينا أن نشعر الطرف الآخر في الحوار أننا سعداء بالحديث معه، وأننا نعطيه ما يستحقه من الأهمية، وأي شرخ بهذين الركنين سيعطينا نتائج معاكسة لا نريدها .«السؤال المفتوح» هو سر نجاح «الحوارات القصيرة» ، فالأسئلة المغلقة التي تنتهي أجوبتها بنعم أولا تنهي الحوار بسرعة، وتعطي فترات صمت قد تقتل الحوار وتحجم من رغبتنا في إكمال الحديث، والأسئلة المفتوحة تجعل أمام الطرف الآخر مساحة واسعة لقول ما يريد وترك ما يريد، ولذلك الأسئلة المحددة قد تعطي انطباعاً سيئاً لأن الكثير من الناس لا يريد من الآخرين الدخول في خصوصياته، ولذلك أسوأ سؤال في هذه المحادثات : (كم راتبك الشهري )؟!! .«روح المتعة والفكاهة» هي عامل قوي في نجاح الحوار القصير، وعندما توصل رسالة غير مباشرة للطرف الجديد بأني أرغب بالاشتراك معك بوقت ممتع فأنت تضع إطاراً صحيحاً لصورة جميلة .النساء أفضل من الرجال في الحوارات القصيرة ، فهن يملكن المبادرة أكثر من الرجال، وعندهن الرغبة في الحديث عن أنفسهن أكثر من الرجال، ولديهن قدرة أكبر على التساؤل، ومن هنا على الرجال أن يتعلموا من النساء «فن الحوار القصير».وسائل التواصل الاجتماعي وهواتفنا المحمولة تعزلنا حتى عن القريبين منا، والذكاء الاجتماعي يقول لنا : اجمعوا منها مواد جميلة لتغني حواراتنا القصيرة .