فجعت المملكة كلها، وليس فقط منطقة القطيف، بمقتل قاضي الأوقاف والمواريث، الشيخ الشهيد محمد الجيراني، فهذا الرجل لا تقل قيمة روحه عن قيمة أرواح من يدافعون عن الحد الجنوبي في المملكة. هو قاتل بالكلمة والمنبر والمواقف المعلنة ضد كل من غرته الأماني الإيرانية وانساق خلفها ضد وطنه ومجتمعه. وقد عانى في حياته، رحمه الله، أشد المعاناة حين حاولوا حرق بيته وفي داخله أسرته، وحين اعتدوا على ممتلكاته وهشموا سيارته أكثر من مرة. وأخيرًا خطفوه قبل حوالي سنة وارتكبوا جريمتهم البشعة النكراء بقتله عقابًا له على وطنيته وإخلاصه لأهله.
هو بالنسبة لكل السعوديين، وليس لأسرته الصغيرة وذويه فقط، بطل كبير ضحى بحياته من أجل أن يحق الحق أمام منطق الباطل وأمام الشيطان الإقليمي الأكبر: إيران. لم يتوان ولم يتردد لحظة في أن يدعو المنحرفين والمحرضين ودعاة الفتنة إلى كلمة سواء، وأن يتقوا الله في وطنهم الكبير ومجتمعهم الصغير الذي آذوه وهددوا أمنه ونزعوا سلامته وهدوءه. استنكر، بصوت واضح وقوي، قتل رجال الأمن من الإرهابيين الذين زُينت لهم جرائمهم باعتساف النصوص الدينية والمذهبية والطائفية. ودعا إلى التوقف عن إرسال الخُمس إلى الدول والتنظيمات التي تعادي بلده في إيران أو العراق أو لبنان، وبأن تسخر مداخيل هذا الخُمس لفقراء ومتعففي البلد الذين هم أحق بها وأجدر بالاستفادة منها ممن يستخدم هذه الأموال لفتح مزيد من جروح الطائفية ومزيد من جبهات الفتنة والقتال المجاني على الهوية.
من الصعب فعلًا أن تجد رجلًا مثله يتجرأ على خطاب وطني مثل خطابه في خضم فوضى مذهبية داهمة مسلحة وغير آمنة بأي حال من الأحوال، لكنه آثر الكلام على الصمت وآثر الحركة على السكون وآثر تسمية الأشياء بأسمائها في الوقت الذي تردد وسكت كثيرون اتقاء شر الإرهابيين أو خشية من ردود فعل الدهماء المحيطين بهم والمصفقين لشرورهم. الجيراني يستحق أن يخلد باعتباره سعوديًا وطنيًا مخلصًا، ولا أقل من أن يسمى الشارع الرئيسي في حي المسورة الجديدة باسمه. كما أن من حقه على أهل القطيف وعلينا أن يقام له حفل تأبين يليق به وباستشهاده في سبيل وطنه.