DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C
eid moubarak
eid moubarak
eid moubarak

المواكبة

المواكبة

المواكبة
التحقيق الجنائي كحال كافة الإجراءات التي من شأنها أن توصل للحقيقة، مرّ بمراحل تطور عديدة عبر العصور المختلفة متخذاً وسائل شتى اختلفت من حِقبة لحِقبة، ولقد كانت إجراءات التحقيق الجنائي في الماضي تتخذ وسائل ذات طابع قاسٍ إرهابي يتنافى ومقتضيات كرامة الإنسان، حيث كان المشتبه فيهم يتعرضون للتعذيب بشتى أشكاله القذرة، وقد كان الأمر يصل إلى حد استعمال وسائل الشعوذة والسحر والدجل، ما أضاع الكثير من الحقيقة ورمى بكثير من الأبرياء في أتون السجون، بل وقد نال البعض اقسى العقوبات التي كانت تصل للإعدام الذي كان يُنفذ دون أدنى رحمة، وبفضل العلم الحديث نحى التحقيق الجنائي مؤخراً إلى تطبيق أساليب وإجراءات علمية وفنية تحفظ حقوق الإنسان وتصون كرامته وتعين المحقق على كشف الجريمة، حيث استبعدت الأساليب غير الإنسانية التي كانت تُتبع في الماضي. ولما كانت عملية التحقيق الجنائي عملية معقدة، فقد كانت في الغالب تتفرع منها مسائل متشعبة، لذا كان لابدّ من الاهتمام بهذا الجانب واتخاذ الإجراءات عبر الوسائل المشروعة التي توصل إلى كشف الحقيقة وظهورها دون مهانة أحد أو تقصير يؤدي إلى ضياع الحقيقة في آنٍ واحد، وهنا يكون الأمر صعباً وسهلاً في آنٍ واحد من حيث الأشخاص الذين يقومون بالتحقيق الجنائي فلابدّ من أن يكونوا مزودين بالعلم والتدريب والخبرة وفي ذات الوقت يتمتعون بقيم وأخلاق رفيعة المستوى تنأى بهم عن كافة الميل أو الانحياز إلا للحقيقة دون مواربة أو محاباة أو خشية من أحد، ذلك أنّ المحقق الجنائي هو من يعهد إليه القانون بتحري الحقيقة في الحوادث الجنائية وتحقيقها والقيام بكشفها وفك طلاسمها وازاحة الغموض عنها حتى تتجلى حقيقة الحادث المعين وتتكشف ظروف وملابسات وسبب ارتكابه ومن ثمّ التوصل إلى الجاني بعد جمع الأدلة في مواجهته ووضعها أمام القضاء تمهيدا لمحاكمته، وكلما كان التحقيق دقيقاً نزيهاً تيسر للقاضي الولوج للحقيقة، ما يعينه على الوصول للعدالة المنشودة، وحيث إن التحقيق يُعتبر استخلاصا لمسائل خافية من وقائع ظاهرة فإنه يتطلب توافر سلامة (الوعي) عند من يمارسه من ادراك وانتباه والقدرة على الاستنتاج الذي لا يتنافى مع المنطق والوجدان السليمين، ولا بد من أن يكون للمحقق المقدرة الكافية على نقد الوقائع وسبر غورها وتحليلها بما يمكن من الحكم عليها حكماً ثاقباً يصيب الحقيقة في كبدها مستعيناً بالمعلومات التي تتجمع لديه والتي غالباً ما تكون متوافرة لدى آخرين، يتطلب الأمر من المحقق خيالاً واسعاً يمكنه من أن يتصور الأمر بما يمكنه من معرفة الأشخاص الذين يملكون معلومات ذات صلة بالمسألة التي يحقق فيها ومن ثم يحصل منهم على المعلومة المطلوبة والتي في الغالب تتناسل حتى توصل لمعلومات اخرى تترى وتتابع ما ان تكتمل عند المحقق حلقاته حتى يبدأ مرحلة الاستجواب وهي مرحلة تتطلب في شخص المحقق قدرات عالية من المهارة عند مساءلة المشتبه فيهم أو الشهود، وبالطبع يختلف التحقيق مع المشتبه فيهم حالة الشهود، ذلك انه يُنظر للشهود على انهم ليست لديهم أسباب تجعلهم يخفون الحقيقة في الغالب الأعم لذا تكون الاجراءات معهم أقرب إلى المحادثة بصورة استفهامية حيث يتطلب الأمر لباقة عالية عند المحقق بما يمكنه من تخريج معلومات تعينه على الوصول لحقائق مخفية ما كان ليحصل عليها لولا براعته في ذلك. أما في حالة المشتبه فيه أو أي شخص يتوقع منه ألا يبوح بالمعلومات التي لديه لمصلحة ما فتوجه له الاسئلة في شكل استجواب، وهنا خيط رفيع ما بين استجواب المشتبه فيه والمحادثة التي تجرى مع الشاهد، وفي كلا الحالين لابد للمحقق من أن تكون له القدرة العالية على استنطاق الشخص موضوع المساءلة وهذا ما يحدد مدى براعة المحقق فكلما كان المحقق بارعا استطاع انتزاع المعلومات من الشخص الممتنع عن إبدائها بالتفصيل وبالتالي استطاع التوصل للحقيقة. ولما كان الأمر ذا أهمية بالغة من حيث المحافظة على مبدأ صيانة كرامة الإنسان وبالمقابل الحصول على المعلومة الحقيقية فقد سارعت الدول بسن تشريعات مفصلة توضح الاجراءات التي ينبغي اتباعها بصرامة حتى تتحقق الغايتان في آنٍ واحد وقد نحت المملكة العربية السعودية على هذا النحو وهي تسير في طريق تطوير أنظمتها وأجهزتها العدلية بما يجعلها مواكبة لرصيفاتها من الدول الأخرى، لهذا كان تشريع نظام الإجراءات الجنائية وتعديلاته حيث لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وقد احصاها في صياغة واضحة ينبغي أن يرتقي إليها القائمون على الأمر بتطبيقها تطبيقاً يسمو بها في تجرد تام. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل نظام الإجراءات الحالي قادر على أن يستوعب ما استجد من وسائل حديثة تطورت بصورة مذهلة بتطور كافة وسائل الحياة من خلال الطفرات الهائلة والمتسارعة في مجال الإتصالات التي أصبحت تسوق العالم عبر الأسافير إلى ما يشبه الأساطير من نشاطات متطورة تطورت معها ايضاً كافة اساليب ووسائل الجريمة، حيث تغيرت القيم وتطورت وفقاً لذلك كافة العلاقات بين الأفراد والمجتمعات والدول إلى وضعٍ لم يعد تستوعبه القوانين والأنظمة التقليدية، ما يحتم بالضرورة الانتقال بكافة أدوات التحقيق الجنائي وفنونه إلى ما نسميه اليوم بالتحقيق الجنائي الرقمي.. وهذا ما نظن انه حادث اليوم .. ونحن لم نزل نتقدم في الطريق نحو المواكبة ليس بالوسائل فحسب وانما بالارتقاء بالقيم والأخلاق التي تمكننا من تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من قيم الحق والعدالة حيث تبقى الأمم بأخلاقها في قمة سلم الرقي والحضارة.