@azmani21
يقال إنه إذا وضعت ضفدعًا في وعاء مليء بالماء الساخن، فإن الضفدع سيقوم بالقفز خارج الوعاء بمجرد وضعه فيه، بينما إذا وضعت الضفدع في إناء مليء بماء فاتر، ثم قمت بتسخينه، فإن الضفدع لن ينجو، لأن مشكلة الضفدع هي نقص القدرة على إعادة التفكير، فهو لا يُدرك أن الماء الذي ترتفع حرارته تدريجيًّا ما هو إلا عبارة عن وعاء للموت، إلا بعد فوات الأوان.
نحن البشر قد نعاني من بعض الأوعية البطيئة الغليان، فنفشل في التعرُّف على الخطر الذي يواجهنا؛ بسبب كُرهنا لمحاولة إعادة التفكير؛ لذا تجدنا نقاوم ذلك في جميع المواقف التي تحصل لنا، فلا نقوم بإصلاح فرامل السيارة، رغم سماعنا صريرها إلا بعد أن يصعب علينا قيادتها بالكلية، ولا يخرج أحدنا من سوق الأسهم على الرغم من استمراره في الخسائر، بحجة أنه سيتمكّن في يومٍ ما من تعويض خسائره.
في الحقيقة لا تعتبر إعادة التفكير مشكلة أزلية في جميع أجزاء حياتنا، فنحن على سبيل المثال نشعر بالسعادة عندما نقوم بإعادة ترتيب بيوتنا أو مكاتبنا، ولكن عندما يتعلق الأمر بأهدافنا وعاداتنا فتجدنا نميل إلى التشبث بالرأي، ولا شك في أن هذا السلوك المتحجر يُعتبر في عالم سريع التغيُّر مشكلة كبيرة.
يقول الاختصاصي النفسي آدم جرانت: الذكاء قد لا يساعدنا دومًا على الهروب، بل قد يزيد أحيانًا من مدة احتباسنا، فكوننا نجيد التفكير، سيجعلنا ذلك حتمًا لا نقبل بفكرة إعادة التفكير، فهناك دلائل تشير إلى أنه كلما كنتَ أكثر ذكاءً، كنت أكثر عُرضة للانحياز لرأيك؛ لأنك ستجد دومًا الطرق لإقناع نفسك بأنك على المسار السليم؛ لذلك ستجد أن مَن يضل الطريق في الصحراء غالبًا هم أناس يظنون أنهم قادرون على الوصول إلى الوجهة المقصودة، وإن شكوا بتغيّر معالم الطريق عليهم لثقتهم بقدراتهم.
وهذا ما يُسمى بتصعيد الالتزام بمسار العمل الخاسر، وهو أن يريد المرء، من خلاله، أن يثبت للناس أن قراره كان صائبًا مهما كلفه، وتصديقًا لذلك فقد أثبتت الدراسات أن أكثر متسلقي الجبال صلابة، هم أكثرهم عُرضة للموت في رحلة استكشافية؛ لأنهم أكثر تصميمًا على بلوغ القمة، مهما تطلّب الأمر منهم، خذ كذلك خسارة بعض العلامات التجارية الرائدة في وقتها، ككوداك ونوكيا وبلاك بيري، والتي استمر مسؤولو الشركات فيها على الغليان البطيء داخل أوعيتهم دون محاولة إعادة التفكير في إستراتيجياتهم.
إنه لمن الصعب على النفس أن تعترف بخطئها، وأنها قد أضاعت وقتًا طويلًا من عمرها في أمر خاطئ، لذا نحاول أن نُقنع أنفسنا بأننا إذا بذلنا جهدًا أكبر، عند ذلك سنتمكّن من الوصول إلى النتيجة المرجوّة.
إذًا أعد التفكير عندما تجد أنك محاصَر، ولا تستطيع أن تمضي قُدمًا أكثر من ذلك، وضع هدفًا تمتلك له قاعدة تبني عليها؛ لتتمكن من تحقيقه، والوصول إليه.
قال المتنبي:
أُريدُ مِنْ زَمَني ذا أنْ يُبَلّغَني
مَا لَيسَ يبْلُغُهُ من نَفسِهِ الزّمَنُ.