«المحاورة» أو القلطة، كما يُطلق عليها البعض، من الفنون الرائعة والجميلة في الوطن العربي بشكل عام، وموروث شعبي سائد في المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها، واتسعت رقعته في دول الخليج منذ ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن، وحظي شعر المحاورة خلال تلك الفترة بجماهير عريقة تضاهي جماهير كرة القدم، خصوصًا مع دخول الموال ساحة المحاورة.
ورغم أن المحاورة قائمة أساسًا على القبيلة والتفاخر، إلا أنها في كثير من الأحيان لا تخلو من مواضيع أخرى خارجة عن إطار القبيلة ولا تخلو أيضًا من الفكاهة والطرائف التي يستمتع بها الحضور.
وكانت الشفافية تسود عمالقة شعر المحاورة القدماء، ولم يكن لديهم تحفظ في الإفصاح عن «المعنى» الذي كانوا يلعبون عليه سوى في مقابلاتهم الإعلامية أو في المجالس أو حتى أثناء المحاورة، ونتيجة لذلك نشأ في جيلهم جمهور واعٍ ومتذوق للشعر، ولا يُجيد الصراخ، وبعيد كل البعد عن التسطيح في تفسير المعاني.
ورغم أن المهاترات في ساحة المحاورة كانت موجودة منذ عشرات السنين إلا أنها قديمًا كانت نادرة الحدوث؛ لأن الجماهير في ذلك الوقت، كما أسلفت، متذوقون للشعر، ويرفضون التجاوزات والنزول في المعاني، أما في وقتنا الحالي فأعتقد أن المهاترات أصبحت غاية بعض الجماهير الذين يدفعهم الحماس الزائد والمُبالغ فيه، والتي لا تفقه في الشعر شيئًا، وبعض الشعراء الحاليين في ساحة المحاورة هم بلا شك يسيرون خلف رغبة الجماهير غير مبالين بعواقب الأمور.
من وجهة نظري الشخصية أرى أن ساحة المحاورة حاليًّا تفتقد الاتزان، وتمر في منحنى خطير يُنذر بكارثة تفتك باللحمة الوطنية وتغذي العنصرية والتفرقة، إن لم يتم تداركها من قِبَل الجهات الرسمية وتقييد الشعراء وأصحاب المناسبات بمعايير محددة من شأنها القضاء على داء العنصرية، وبما يتماشى مع توجّهات الدولة «حفظها الله»، وما تنبني عليه الرؤية المباركة 2030.
@turkialaofi