عن مائدة العرب قبل الإسلام، يذكر محمود شكري الألوسي (1856-1924)، في كتابه «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب»، أنها اتسمت باستخدام لحوم الصيد، والسويق، والألبان و«القيصوم» وهى نبتة صحراوية.
كما شملت مواد طبخهم الشيح (وهو نبتة صحراوية لها رائحة قوية وطيبة تستخدم في الطعام)، والضب، والأرانب وغيرها من حيوانات الصحراء التي كانوا يصطادونها، وكان أحسن اللحوم عندهم لحوم الإبل، وكان منهم مَن يستطيب أكل الضب.
وجدتُ - وبملاحظات خاصة - أن قومنا في ثقافتهم الغذائية الجديدة يميلون إلى تأخير فطور الصباح (موظفين، معلمات، معلمين وأيضًا ربات البيوت).
كأني أراهم يميلون إلى ماضيهم. فلا توجد وجبة فطور آنذاك، بل كانوا يسمونها الغداء. الشاي والقهوة العربية في الصباح الباكر، الغداء قبيل الظهر تمر للقانعين، مضافًا إليه الخبز واللبن لذوي السعة.
حتى أوائل الخمسينيات الميلادية من القرن الماضي كانت العادة في غالبية مناطق نجد (متأكد أنا من منطقة القصيم) يتناولون وجبة الغداء الساعة الثانية غروبي صباحًا. ولانعدام مسمى الفطور في ذلك الوقت كانوا إذا دعوا ضيفًا على الغداء فإنهم يقولون «الساعة تنتين» أي الساعة الثانية.
بُعيد صلاة الظهر كانت الدعوة لا تعني إلا «شاي وقهوة»، ومن اللافت للنظر - أنا متأكد من عنيزة - أن المجتمع ينقسم إلى شطرين فيما يخص وجبة العشاء. فالأثرياء يتناولون عشاءهم بُعيد صلاة العصر مباشرة. أما الأقل ثراء من عمال وفلاحين فإن وجبة العشاء بين صلاتي المغرب والعشاء. وأتعجب كيف لا يحدث الإحراج الغذاء إذا استدعت الأحوال أن يدعو هذا ذاك. لكن الأمور كانت سائدة بهذا الشكل ولا أذكر أن أحدًا اعتذر عن دعوة صاحب أو جار أو قريب؛ بسبب اختلاف مواعيد الوجبات.
تغيَّرت الظروف وكثرت الالتزامات بمواعيد العمل والدراسة، وجاءتنا في القصيم عادة تناول الوجبة الرئيسية بعد صلاة الظهر، كما كان يفعل أهلنا في الحجاز.
لاحظوا أن الشباب والشابات يطلبون فطورهم من أقرب مقصف (لا سيما إذا كان ذاك المقصف يحمل اسمًا أجنبيًّا) ولاحظت أن كلمة «بوفيه» تغيّرت إلى «كوفي شوب».
قبل الهمِّ الإنساني الكبير الذي نعيشه، كانت الوجبة وموعدها يعنيان ثلاثة أرباع حياتنا. أما الآن فالضغوط الاجتماعية جعلتنا لا نُعِير اهتمامًا حتى للترحيب ببعضنا.
@A_Althukair