آثار جائحة كورونا ستستمر تبعاتها إلى أجيال قادمة، لشدة تأثيرها على الأفراد، بدا لي أن أطفال العائلة الذين ولدوا في بداية تفشي الجائحة وإبان الحظر والتباعد الاجتماعي، أكثر انعزالا، وينتابهم الرعب من أي شخص لا يألفونه، وهم أكثر تشبثا بوالديهم، ولديهم الخوف من الذين لم يروهم وحتى من لا يعيشون معهم، وإلى اليوم لم يعتد أولئك الأطفال على الاندماج مع المجتمع الأكبر، مكتفين بمن عاشوا السنتين في كنفهم، إنهم يعانون من التأقلم مع من يرونهم غرباء بعد عامين من الإغلاق التام.
بيد أن أكثر ما يقلقني هم الأطفال الذين لم يذهبوا إلى المدارس النظامية، وبدأوا سنواتهم المدرسية في ظل الجائحة عن طريق التعلم عن بُعد، وفقدوا الكثير من مهاراتهم التعليمية وتواصلهم المباشر، إنهم لا يجيدون مهارات القراءة والكتابة، أو لديهم فجوة تعليمية، ليس لديهم أصدقاء، وليس لديهم حياة اجتماعية، مكتفين بعالمهم الافتراضي تحت سقف وجدران البيت، حتى إنهم لا يتحمسون كثيرا للخروجات، وهذا أيضا ينطبق على بعض أطفال العائلة وفق ملاحظاتي لهم.
تغير نمط الحياة لأطفال الكورونا، سواء الذين أبصروا النور في عز تفشي الجائحة أو الذين بدأوا تعليمهم معها، هؤلاء بالذات هم ضحاياها الحقيقيون، ولا نبالغ حين نقول ذلك؛ فوفق ورقة عمل حديثة لمجموعة البنك الدولي قورنت فيها التجربة الكويتية إبان الغزو العراقي وما أفضت إليه حالة الطلاب الكويتيين الذين حُرموا من التعليم في فترة الغزو بسبب حرب الخليج عام 1990 ومدى تكلفة إغلاق المدارس إبان الجائحة، وذكرت أن الفتيان الكويتيين في المدارس الابتدائية يواجهون اليوم انخفاضا في متوسط القيمة الحالية للدخل مدى الحياة بأكثر من 40 ألف دولار، وبالنسبة للفتيات يبلغ الانخفاض 21 ألف دولار، ويقارن ذلك بنصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي للكويت الذي بلغ 32 ألف دولار في 2019، ويتنبأون بأن الطلاب المتأثرين بمستوى التعليم الابتدائي أو المتوسط أو الثانوي سيفقدون ما بين 1589 و3722 دولارا من الدخل كل عام خلال حياتهم العملية، وعليه فإن انخفاض الدخل في المستقبل بسبب تعطل المدارس يتراوح بين 3.4 و6%. وباستخدام البيانات المستمدة من مسح منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشأن مهارات البالغين (PIAAC)، وجد الباحثون أن فاقد التعلم لمدة عام واحد سيؤدي إلى فاقد في دخل الفرد يتراوح بين 4.6 و16.7% تبعا للبلد المعني، أو نحو 7.7% عند تجميع البيانات من جميع مسوح البرنامج. وفي دراسة أخرى حديثة عن تعطّل المدارس، باستخدام بيانات عالمية، وجد الباحثون أن الطلاب في الشريحة الحالية يواجهون انخفاضا قدره 366 إلى 1776 دولارا من الدخل السنوي خلال حياتهم العملية. ويبدو أن نتائج أزمة فيروس كورونا التي جاءت خسائرها في جميع القطاعات «قد أدت إلى توقف الأنظمة التعليمية في جميع أنحاء العالم، وقد يكون للزيادة المحتملة في فقر التعلم تأثير مدمر على الإنتاجية والدخل والرفاهة في مستقبل هذا الجيل من الأطفال والشباب وأسرهم واقتصادات العالم»، وفق رأي خايمي سافيدرا، المدير العالمي لقطاع التعليم بالبنك الدولي.
@Hana_Maki00