حديثي إليكم اليوم فيه نبرة حزن بعض الشيء، وفيه تأمل لمقاصد الحياة ككل، فقد لاحظت مؤخرا أني كلما فتحت على موقع التواصل الاجتماعي (توتير) وجدت عنوانا بارزا أو هاشتاقا يقول: رحل الإعلامي أو الفنان أو المشهور الفلاني، أو الأديب أو الدكتور الفلاني، ولست أدري إن كانت عيناي تسقط على هذه الأخبار مصادفة أم هي فعلا سنة الحياة التي نحن نغفل عنها كثيرا، وأن رحلتنا في هذه الدنيا قصيرة مهما طالت. أم لعل السبب أن الأخبار التي تنقل لنا في الغالب هي عن الأتراح أكثر منها عن الأفراح؟ ومن الممكن أيضا أن الإنسان كلما تقدم به العمر يلاحظ تلك الأخبار أكثر من غيرها.
والحقيقة الجلية هي أن الموت لا يفرق بين صغير وكبير، ولا بين شاب وكهل، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين مشهور ومغمور. فكلهم سواء حين تأتي ساعة الأجل. وصدق قس بن ساعدة حين قال: إنه من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت.
ولست أريد أن يكون المقال كلاما وعظيا، فليس هذا المقصد منه، ولكنه التذكير بأن هناك قضايا كبيرة في الحياة نغفل عنها ولا ننتبه لها لأن دوامة الحياة اليومية الروتينية لا تعطينا أي فرصة للتأمل. نصحو الصباح فنذهب إلى أعمالنا ومكاتبنا ومدارسنا وجامعاتنا، ثم نعود أدراجنا إلى بيوتنا، وبعد ذلك، تأتي عطلة نهاية الأسبوع، فننشغل بها إما بالمناسبات الاجتماعية أو نركض يمنة ويسرة في مشاغل مختلفة ومتنوعة، وينتهي الأسبوع، ثم نعاود الكرة مرة أخرى، وهكذا دواليك، كأننا ندور داخل دولاب، وفي غضون ذلك ننسى الأسئلة الجوهرية والكبرى التي دوخت كبار الفلاسفة كمثل الفيلسوف الألماني الشهير إيمانويل كانت (من أكبر الفلاسفة تأثيرا في الفلسفة الغربية الحديثة) والتي تبحث عن (الله سبحانه وتعالى، والخلود، والإرادة الحرة). ونحن ولله الحمد نعرف الإجابة لها، ومطمئنون إليها، ومؤمنون بها. وديننا الحنيف أراحنا من عناء الضياع والتيه، فأعطانا إجابات واضحة وصريحة، ومريحة للنفس عن هذه الأسئلة المهمة والمُلحة على النفس البشرية.
ودعونا نعد بكم إلى قصة (أخبار المتوفين)! والمقصود من ذلك أن نتذكر من وقت إلى آخر ما هي مهمتنا العامة في الحياة؟ وما الشيء الذي لدي وأنا متميز فيه ويمكن أن أنفع به نفسي والآخرين والمجتمع من حولي؟ هذا بيت القصيد. ولا يهم إن كان هذا العمل كبيرا أو صغيرا، معقدا أو بسيطا، شاقا أو سهلا، المهم أنك تعرف ما ستقدم، وتحاول جهدك أن تبرع فيه، ففي النهاية كل ميسر لما خلق له، وكل منا له مهمة في هذه الحياة يؤديها على اختلاف أدوارنا التي نقوم بها. وكلنا جزء من المجتمع يؤدي دورا تكامليا يعضد فيه بعضنا البعض، وقد قال الشاعر: الناس للناس من بدو وحاضرة بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم.
ومن الجدير بالملاحظة أنه حين تستشعر أنك لك دور محدد ومعين تؤديه في الحياة فذلك يعطيك دافعا وجذوة للحماسة والمضي قدما، وأن تحاول تقديم أفضل ما لديك، ولكن عندما تضيع منك تلك الرؤية العامة أو البوصلة فسوف تشعر بالفتور، ويتصاغر دورك في نفسك، ويتضاءل هدفك، وستظل تحاول البحث عن معنى في زحمة الحياة ودوامتها.
وخلاصة الحكاية كلها في قوله سبحانه وتعالى: «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ» وهذه يفهمها الفيلسوف غير المكابر! والعاقل الفطن وذو الفطرة السليمة.
abdullaghannam@