[email protected]
ولستُ أميل إلى تصديق هذه المقولة التي ما زال الركبان يرددونها منذ أن قيلت حتى اليوم، وأكاد أدّعي أن أعذب الشعر أصدقه، بحكم أن الصدق الفني يمثل أساسًا من أهم أسس نجاح القصيدة وسريانها بين المتلقين، رغم أن أكثر الشعر مبني على الاستحالة في صفاته الممتنعة الخارجة عن العادة في معظم الحالات والأحوال، وهو في هذه الحالة تحديدًا يخلو من الأساس المطروح لميله نحو ألفاظ توصف بأنها كاذبة أو بعبارة أكثر دقة خالية من الصحة والصواب، ويبدو أن المقولة المطروحة في عنوان هذه العُجالة مبالغ فيها، فليس أجود الشعر وأعذبه هو القصيد الكاذب، ذلك أن المبالغة في عيوب الكلمة الشاعرة يجب ألا تصرف القارئ عن محاسنها وصدقها.
قد تكون المبالغة في إنشاء القصيدة أحيانًا نابعة في أصلها من عجز الشاعر عن اختراع المعنى أو الوصف، فيلجأ حينئذ إلى ما يُسمى "تركيب" المعنى، ومن ثم إلى المبالغة أو "الغلو" إن جاز التعبير، وهو أشبه ما يكون بالتهويل المؤدي إلى الكذب، فالصدق المحض هو أعذب ما في القصيدة التي توصف أحيانًا بأنها جميلة أو حسنة، لاسيما إن وصلت إلى درجة عالية من البلاغة التي لا يقرأ في ثناياها أي نوع من أنواع المبالغة التي تزجي بصاحبها إلى "اختلاق" الكذب، وهذا يعني أن المقولة السائدة بأن أعذب الشعر أكذبه لا أساس لها من الصحة والعافية، بدليل أننا قد نعجب بطرافة بعض الأشعار الموغلة في المبالغة، غير أننا سرعان ما نمجّها ونلفظها؛ لأنها غير صادقة أو غير مبنية على ثوابت الصدق والمعطيات.