وفي أروقة المستشفيات حيث يعمل الأطباء أدمغتهم في اكتشاف علة المريض من خلال العديد من الفحوصات ومنهم من يجعل الدنيا تسود في عين مريضه ويصور له الموت أقرب من شراك نعله! وربما يكون مضطرا لتحاليل وإجراءات لا داعي لها وإنما تدفعه لها المستشفيات دفعا لزيادة دخلها والسطو المغلف بالرحمة على جيب المواطن وإرهاقه.
ولا يخلو مجلس من قصص الأمراض التي لم تكن سوى حالات عارضة وانتهت وما كانت الأدوية التي صرفت سوى توهين للمريض وتسريع في إضعاف عافيته وإرهاق ميزانيته وقد يكون الطبيب ضحية «لتصعيب» المريض ذاته فلا تفلح كل محاولات تهدئته وإقناعه بأن ما يعانيه ما هو إلا قلق غير مبرر وزيادة في تناول أدوية لا داعي لها فيضطر المريض المصاب بمتلازمة التصعيب إلى البحث عن طبيب آخر يتوافق معه ويريح وسوسته في تشخيص يجعله مريضا بامتياز!
وفي أروقة المحاكم هناك القضايا التي ظلت سنوات حبيسة الأدراج وما كان حلها إلا جرة قلم عدا القضايا التي جيئ فيها بمن لا طاقة لهم بطول أمد الخلاف والشقاق فشق عليهم وما كان أسهل من التسامح والتراضي.
وقد يكون المصاب بمتلازمة «التصعيب» مديرا حجب كل الحقوق المكتسبة عن موظفيه احترازا وإمعانا في السيطرة فأصبح موظفوه مستضعفين في الأرض يهيمون في مؤسستهم يتطلعون لشيء من العطف والرحمة ويرون مديرهم القابع على عرشه كالكابوس الجاثم على صدورهم! وقد يكون موظفا أتعب مديره بسلوك التعقيد والتصعيب فلا يقبل أي تكليف دون خطاب ولا يتعاون مع زملائه بحجة أنه ليس من اختصاصه ويأخذ حقوقه بالقوة استنادا لأدنى ثغرة في النظام مع حفظ أرقام التعاميم وتواريخها!
حتى عندما انتشينا بالتحول الرقمي وإنجاز المعاملات إلكترونيا حيث تكون الجمادات أحيانا أكثر رقة ورحمة من البشر! إلا إن بعض المعاملات الرقمية لم تخل من بصمة المبرمجين المصابين بـ (التصعيب) ! فلا تخرج من بعضها إلا بيأس مصحوب ببركان ثائر ومعادلة خاسرة!
والأشخاص المصعبون ربما كانت نشأتهم صعبة معقدة لدى أسرة أورثتهم هذا السلوك فحجبوا عن حياتهم الرفق والحب والتعاون والرحمة فكانوا أشخاصا قمة سعادتهم في أن يشقوا على خلق الله ويتلذذوا في إطالة أمد مآسيهم، وفي مقالي هذا لا أتحدث عن مرض تضخيم الأمور والضغط النفسي الذي يشعر به صاحبه بل أتحدث عن الأثر الذي يحدثه في غيره خاصة إن كان ممن تولى أمرا خدميا يعتمد عليه الآخرون في إنجازه وسواء كان مرضا أو عادة أو اعتقادا فالمصطفى الكريم يقول «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به».
@ghannia