فقد أثبتت التجارب الدولية كتجربة البرازيل وتركيا وإندونيسيا ومصر والعراق وماليزيا وجوب التعامل مع الصندوق بحذر وذكاء تفاوضي عالي المستوى، فمعظم معاييره أطروحات قابلة للتفاوض والمعالجة، وفي هذا السياق أشير إلى إحدى حالات الانسياق خلف هدف رفع التصنيف فحسب، دون توخي الأثر الاستراتيجي الذي سيطال أحد أهم مؤسسات الاقتصاد الوطني وهي الغرف التجارية، إذ نص أحد معايير الصندوق على: (يكون العام الأول من ميلاد المشروع التجاري الصغير ومتناهي الصغر دون رسوم تأسيس إدارية)، لتحفيز المشاريع الناشئة وجذب رؤوس الأموال، وهو معيار يستحق الدعم والثناء والتبني، لكن الغلو في تطبيق المعايير انتهى بنا إلى إعفاء رسوم الاشتراك (التأسيس) في الغرف التجارية لمدة ثلاث سنوات من ميلاد المشروع التجاري الصغير ومتناهي الصغر، بل والمشروع المتوسط والكبير وحتى العملاق وفق المادة (٣٠) من نظام الغرف التجارية الجديد، فالمبادرة هنا قد تساهم في رفع التصنيف ولكن المغالاة في تطبيق المعيار سوف تتسبب في تدهور إيرادات الغرف التجارية بمعدل كبير يناهز (٤٠ %) من إيراداتها السنوية الرئيسية بالتزامن مع تباطؤ الاقتصاد العالمي جراء جائحة كورونا، وبالتالي قد يؤدي ذلك لتوقف مصادر التمويل السخي للمراكز واللجان القطاعية ومجالس الأعمال والجمعيات الوطنية والدراسات التي تمولها الغرف ومجلس الغرف السعودية التي لها دور بارز وحيوي في خدمة قطاع الأعمال والاقتصاد الوطني، ومن المتوقع أن تؤدي نتائج تطبيق هذا المعيار إلى حدوث موجة تسريح لموظفي بعض الغرف وإغلاق عدد آخر منها لعجزها عن القيام بأعبائها والتزاماتها المالية.
فهذه الغرف التي تعد ذراع الاقتصاد الوطني الذكي، والتي طالما كانت مراكز لحل الأزمات الاقتصادية ومستشار الدولة المخلص؛ تم التأثير عليها بصورة مؤسفة.
لهذا ولكل ما سبق لا تكونوا «صندوقيين» أكثر من صندوق النقد الدولي نفسه، فالمعايير مرنة وقابلة للتفاوض والتعديل مع مسؤولي الصندوق، ويجب ربط تطبيق هذه المعايير بأثرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني وعدم حصر الإنجاز في مسائل رفع التصنيف فحسب.
falkhereiji @