استشعر الكثير منا أن شهر رمضان المبارك في هذا العام لم يكن كأي رمضان مضى، فعلى الرغم من أننا فقدنا الكثير من العادات الأصيلة فيه مثل الصلاة في المساجد وسماع صوت المؤذن وهو يصدح بتلاوات تخشع لها القلوب، إلا أنه كان بمثابة اليد التي مسحت عن جبيننا الكدر الذي شكله ذلك العدو المتربص، وشعرنا بتلك الطبطبة الحانية التي أنقذت أرواحنا من أنياب اليأس، كما أن هذا الشهر الفضيل قد أعاد الاتصال بمن انقطع به السبيل إلى خالقه فأتاح له الوقت وهيأ له الأجواء الروحانية، وصفد من أجله الشياطين كيلا تبقى له حجة في أن يكون من ضمن الفريق الذي أمده الله برحمته وشمله بمغفرته ومن عليه بالعتق من النار.
نحن أحوج ما نكون في هذا الوقت إلى الله كي نسترجع حياتنا الطبيعية وأماننا الصحي وننعم بخيراته في الأرض من دون خوف أو قلق، وقد شرع لنا من خلال هذا الشهر الفضيل أبوابه الواسعة كي يستمع لنا ويستجيب، فمن منا أعطى هذا الشهر حقه واستمات حتى يلحق بالركب الذي حرص على ألا يرحل رمضان إلا وقد استوفى حقوق الله عليه واستدل على مفاتيح رضاه ورحمته الكامنة بين ثنايا هذه الأيام المباركة، ومن منا لم يكترث لما في هذا الشهر من أجر عظيم، إذ لا يزال في غمرة غفوته يترنح بين مراتع اللهو وعتبات الدنيا الفانية، ولم يدرك بعد أنه قد لا يأتي عليه رمضان آخر كي يعوض ما فاته فيكون ممن قال لربه كما جاء في الكتاب العزيز «رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين».
إنها لآلئ ثلاثون من الشهر الكريم قد انتهت، فسبحان من وصفها بأيام معدودات أتت بشوق ومضت على عجل، فقد كنا نعد العدة لقدومه وهانحن نمسح دموع الفراق لرحيله ونتوسل إلى الله أن يتقبل ما أضمرناه فيه من عبادة ودعاء موحد بأن يزيح عنا تلك الغمة السوداء التي اجتاحت العالم وقلبت الموازين رأسا على عقب، فلن نجد للخلاص منها سبيلا إلا من خلاله، ومن يدري قد يكون عيدنا القادم بداية الانفراج وباكورة قبول أدعيتنا التي طالما حامت في سماء الليالي المباركة، ونتاج ذلك الإيمان القابع في دواخلنا بأن «كل مر سيمر» ما دمنا نتبع قول رسوله «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» وكل عام وأنتم بخير.
11Labanda@