سواء كان الخوف من شيء ما، أو كان خوفا على شيء ما، فهو في كل أحواله منبع معظم الانفعالات السلبية، والأهواء الحزينة، التي تهدد السكينة والطمأنينة، وتهدد بالتالي الأمن الروحي للإنسان.
فأصل النهم خوف من الجوع، وأصل الجشع خوف من الفقر، وأصل الغيرة خوف من الخسارة، وأصل الشعور بالذنب خوف من العقاب، وأصل الكراهية خوف من المختلف، وهو أصل كل الخرافات التي تعطل العقل وتشل قدراته، وأصل سلوكيات المكر والنفاق في المجتمعات الجاهلة، فالخوف هو العدو الأكبر للتفكير السليم والعيش الحكيم، لأنه يعطل ملكات العقل ويشل قدرة الإنسان على الابتكار، وهو العدو الأول للحياة، لأن الخائف يفتقد القدرة على الحب، فهو لا يمتثل لمصدر الخوف إلا تزلفا ومسكنة ونفاقا، حتى لو تظاهر بالعكس، لكنه يخفي في أعماقه مشاعر الضغينة، فالحب لا يتفق مع الخوف والنفاق، والعلاقات القائمة على الخوف لا تقوم سوى على ثنائية الطاعة أو العصيان، أما علاقات الاحترام فهي قائمة على الاعتراف المتبادل والمتكافئ بين ذوات مستقلة، وحين يتحرر الإنسان من الخوف يستطيع استعمال عقله بلا حجر ولا وصاية، ويمارس التفكير بجرأة ولا يقبل بالأجوبة الجاهزة، وهذا هو الشرط الأقوى في تطور المجتمعات.
إن خلايا الإنسان غير مبرمجة لكي يعيش في خوف دائم لمدة طويلة، لكنها مجهزة فقط لخوف محدود يتيح له فرص الهرب والنجاة من الخطر الماثل أمامه، ثم العودة لحالة الأمن، لأن معظم الوظائف الحيوية في الجسم تتوقف، مقابل التركيز على الوظائف التي يحتاجها الجسد بقصد الهرب والنجاة، وليس مسموحا لهذا الاختلال بالاستمرار سوى لفترة وجيزة، ولكن حين يتعلق الأمر بخوف دائم مستنزف، فإن خلايانا ليست مبرمجة لذلك. وهذا يعني أن المجتمعات والمؤسسات التي تؤسس منظومتها على قيمة الخوف، وترسيخه في النفوس، تمثل تهديدا للصحة العقلية والنفسية والجسدية للإنسان، وتجهض نمو الثقة بالنفس لدى الإنسان، وهو السبب الأقوى في تطور مجتمعات العنف، ولهذا يظل الإجراء الأهم في كل إستراتيجية تطويرية على المستوى الشخصي أو الاجتماعي هو في تحصين الفرد ضد تسلل تداعيات مشاعر الخوف، من الغضب والحسد وتأنيب الذات، حتى يرتقي ويكون من أولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
@LamaAlghalayini