أجيال كانت تحتفل بالأمطار، مصدر مائهم العذب الذي يشربون، وبه يزرعون، وحوله يتجمعون. إنه العطاء النّقي، لضمان حياة بيئتهم التي يعشقون. هل كانوا يدركون أن المطر مياه تبخرت من المحيطات، والبحار المالحة، وتكثفت بفعل عوامل مناخية وبيئية، فسقطت قطرات عذبة؟ لا يهم.. يكفيهم معرفة دورها ووظيفتها وأهميتها. إنه الماء الذي ينتظرون، كمنحة. وتأتي الاحتفالات، كنتيجة. إنه الاحتفال بالمطر في ندرة الماء حولهم. فيعلو صوت تبادل التهاني والتبريكات. بعضهم يخرج تحت المطر، ليبتل بالفرح.
في غياب مظاهر تلك الأفراح، أسسنا لمبدأ الجفاف وناصرناه، وزرعنا جذر الغفلة كبديل. فأصبح الماء قضيتي العلمية في الحياة. جعلتها قضية إنسانية، لإنقاذ المستقبل من العطش. شكرا لكرمكم المذهل الذي عزز، وشجع وتبنّى. إن وقف جور سوء التصرفات السلبية مع الماء ضرورة وطنية. إن إحياء الشعور الذي يعزز ارتباطنا اللصيق، بأهمية المطر واجب وطني. إن استدامة عطاء البيئة، وتغذية المياه الجوفية، مسؤولية وعبادة، يحققها المطر.
لماذا انقطعت علاقتنا بالبيئة؟ وهي البيئة الهشة، بحاجة لحماية حازمة، ورعاية لصيقة، وعناية فائقة ومتقنة. غاب عن أعين الناس، تأثير نزول المطر الإيجابي على البيئة، فغاب الاحتفال والفرح، وبهجة نزول قطرات المطر. لماذا وصلنا مرحلة فقد العلاقة بالبيئة؟ لماذا فقدنا الاحتفال بنزول المطر؟ لماذا أصبح المطر ورطة ومشكلة وكارثة؟
هل قلوبنا تنبض بحاجتنا لماء المطر؟ لماذا لم نعد ندرك حاجة بيئتنا للحماية من تجمعات مياه الأمطار؟ لماذا غاب الاهتمام بالمطر، كمورد طبيعي لا ينضب؟ لماذا غاب فهم مشكلة المياه؟ لماذا انطفأ وهج تعظيم ذكرها، كمحور مستدام في نفوس الأجيال؟ إن أهمية المطر للبيئة، أشبه بدور الدم وأهميته لجسم الإنسان. البيئة الخضراء الحية، ستظل مطلبا لاستدامة وجودنا على أرضنا المباركة.
الماء يعاني أمراضا أسسنا لتفشيها. يعاني سوء المعاملة؛ يعاني سوء تقدير أهميته؛ يعاني سوء التعامل؛ يعاني التلوث؛ يعاني سوء الإدارة؛ يعاني الإهدار؛ ويعاني الضياع وسوء التقدير. ثم أضفنا إلى كل ذلك، تحويل ماء المطر إلى ضربة مهلكة وموجعة. أصبح قوة تدميرية، بمضار مستدامة.
في مناطقنا المطيرة تتعاظم الورطة، والمشكلة، والكارثة. تأتي إحدى الضربات الموجعة بتهدم المدرجات، وضياع تربتها النادرة إلى الأبد. لماذا يضرب المطر البشر والبيئة؟ لماذا يسبب الكوارث والمشاكل؟ الإنسان هو الذي يضرب نفسه وبيئته، ويضرب أجياله القادمة. المطر رحمة وسيظل.
أصبحنا نسيء ونظلم أنفسنا. أصبحنا في وضع متعارض ومتضارب. إذا احتبس المطر دفعنا الثمن. إذا نزل المطر تحول لورطة ومشكلة وكارثة. الجميع سيدفع الثمن حتى الذين لم يولدوا بعد. أي كارثة نرتكبها بحق أجيالنا القادمة؟ صدق الله العظيم الذي قال: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِم النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} يونس (44).
أنقذوا المدرجات التاريخية.. في جبال الحجاز والسراة.. ثم ضاعفوا أيضا مساحتها.. إنها نظام مائي.. عظيم الأهمية.. إنها وسيلة.. ملء.. خزان الماء الإستراتيجي.. المهم.. لتغذية مياهنا الجوفية.