سيبقى يوم 27 أكتوبر 2019 يوماً مميزاً عند الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وعند الحكومة الأمريكية، التي أدارت خبر مقتل أبوبكر البغدادي، بهدوء على مدار 48 ساعة. يوم 27 أكتوبر هو أيضاً يوم له مناسبته عند الجميع، فهذه الحكومة الفرنسية وعلى لسان وزيرة الدفاع فيها تُهنئ القيادة الأمريكية على مقتل البغدادي، ولعل هذه من النوادر في العلاقات الدولية أن تزف التهاني على فعل من هذا النوع، ولكن الحدث له خصوصيته، والضحية أيضاً رجل متفرد بشكل متطرف في الجانب السلبي للصفات الطبيعية، والمألوف للناس. وما دمنا بدأنا بالجانب الفرنسي فحتى الرئيس الفرنسي أشاد بالفعل الأمريكي، الذي وصفه بالبطولي. البيت الداخلي الأمريكي ربما لأن الرئيس على لسان السيدة بليوسي رئيسة مجلس النواب، التي بيَّنت في تصريح خاص أن الرئيس تجاوز الأعراف الأمريكية ولَم يحط مجلسها، في الوقت الذي أخطر فيه أطرافا دولية مثل الجانب الروسي، الغريب أن الجانب الروسي وبالتزامن مع الأسلوب الأمريكي في تقديم المعلومة حول العملية في وجبات وتغريدات صغيرة، كان يطلق تصريحات أقل ما يقال عنها إنها مشككة في الواقعة، وفِي أحسن الحالات قال الروس: ليست لدينا إثباتات على أن فعل القتل قد وقع فعلا، ثم بدأ الجانب الروسي يسرب معلومات حول خطورة العملية إن صحت، إضافة إلى الإعراب عن مخاوف من انتشار العنف في المنطقة، وسيطرة أمريكا على النفط فيها. وبالمناسبة فملف النفط في الشمال، أحد أبرز الأهداف الأمريكية، التي يسعون بشكل معلن لحمايته من طرفين أساسيين هما، الجماعات الإرهابية، إضافة إلى الحرص الأمريكي على إبعاد المنافسين ومنهم الروس والأتراك عن الاستحواذ على النفط في المنطقة. في ردود الفعل الدولية على عملية مقتل البغدادي كان هناك ارتياح كبير مما حدث والدول العربية أعربت إجمالاً عن تثمينها لهذه العملية، التي ستقرب العالم من الأمن والسلم أكثر، من أي وقت مضى. اللافت في ردود الفعل الدولية التحذير من جزئية أن ذهاب البغدادي لا يعني زوال خطر تنظيم داعش، وهذه النقطة أشار إليها أكثر من بلد، ولعل في هذه الإشارة تنبيه إلى أن التنظيم بهياكله، وخلاياه، وأفرعه المنتشرة في العالم قد يكون قادرا على شن موجة، أو موجات من ردات الفعل الانتقامية ضد عدد من الدول. بعض التعليقات ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث بحثت وإن بشكل عابر مآلآت التنظيم في المرحلة القادمة، وخياراته المتاحة، وهناك مَنْ رأى أن التنظيم قد يعود جزئيا إلى حاضنته الأم القاعدة، وهناك مَنْ قدر أن التنظيم قد يتعرض لعمليات انشقاق، وتفتت إلى مجموعات أصغر وتنتشر في عدة أماكن في العالم. ومن ثم تسعى إلى القيام بعمليات انتقامية واسعة. آراء أخرى ذهبت إلى البحث في عملية الشخصية، التي يمكن أن تحل مكان الزعيم السابق للتنظيم، وما هي الشروط، والمواصفات المطلوبة، لمثل هذه الشخصية؟ وعرج البعض في إشارات سريعة على إمكانية اختراق التنظيم من قبل بعض الأجهزة الاستخبارية المؤثرة، خاصة أن التنظيم يعيش حالة من التفكك، والارتباك في غياب قيادته التقليدية، التي أمضت ما يقرب من عقد من الزمن في موقع القيادة. الجدل في الإعلام العالمي تطرق لنقاط معينة اختلف حولها الناس من ذلك أن «الواشنطن بوست» وصفت البغدادي برجل الدين المتقشف، فواجهت سيلا من الاحتجاج على هذا الوصف المسيء للدين، أي دين فالرجل قاتل، ويليق به وصف آخر بكل تأكيد، وهو ما كان بالفعل حيث غيّرت الصحيفة الوصف بإرهابي متشدد.
الرجل قُتل، وترك تنظيما يحشد العالم لاستئصاله من الوجود، وبنى في حياته ما يعتقد باطلاً أنها دولة، قامت على القتل، والتشويه للدين، وكأنه لا يعرف أن ما بني على باطل، فهو باطل.