هل يمكنك تخيّل منظر جدول صغير تشعّ عليه الشمس، فينعكس شعاعها على صفحته، ويترقرق قاعه مثل بريق الذهب، يمكننا ذلك من تصوّر مفهوم صفاء الذهن، فهل يجذبك أن تعيش حياتك ببال شفاف رائق مثل ماء ذلك الجدول، دون شوائب أو تكلّف أو تعقيد، وبالطبع ستكون إجابتك بالإيجاب، والأكثرية مثلك كذلك، مما يستوجب قرارًا، قبلها قرّر بألا تعلق في فخاخ عُقد النقص والمقارنات التدميرية للذات أو الاستجابات العدوانية لنجاحات الآخرين بالحسد والنقد السلبي، وتدرّب على أن تتابع سيرك في الحياة، خفيف الأحمال كروعة ذاكرة طفل ينسى كل أحداث يومه بعد نوم ليل هانئ.
مَن يمتلكون ذلك الذهن الصافي يربحون نعيم العيش، ويتمتعون بسلام داخلي عميق، ولديهم أثمن كنوز الوجود؛ لأن مصدر الشقاء وغالبية المتاعب تنبع من ازدحام العقل بضجيج الأفكار وتناقض القناعات وصراع الأصوات الداخلية، ولن يهتز العقل حين يدرك المرء في أعماق قلبه أننا مرتبطون بقوة خالق قدير يخلق ما يشاء من الحلول والأسباب، ولا يعجزه شيء، وحين يخبو صوت هذا الاعتقاد بداخلنا سيسهل تقبّلنا لفكرة الوقوع كفريسة لمخالب الحياة، كقدر ورقة شجر طافية على نهر، ولكن مَن يثق بالرحيم فهو يسير دومًا رائقًا مستمتعًا واثقًا من قوله تعالى (فإنك بأعيننا).
عندما تكون وسط الهموم وشدة الضغوط تشعر بأن قلبك ممزق بين خيارَين مختلفين أو أكثر، وتبدأ في فقدان السيطرة؛ مما يفيدك في أن تتمرن على مراقبة طريقة تفكيرك، وتنوي أن تسير نحو ما يعود عليك بأقصى قدر من الإيجابية، وتستمد من الله أن يُلهمك الرشد، وستبرز لك حينها الإجابة الأفضل والخيار الأمثل.
يجد الناس تبريرات مختلفة لخياراتهم السلبية، وبعضهم يفسّر ذلك بمعاناة الأنبياء، وأن من الطبيعي أن نعاني مثلهم، ومثل هذه القناعات تجعل بعض الأشخاص يميلون لانتقاء الخيار الذي يزيد تعاستهم لإساءتهم تفسير بعض النصوص، لكن الله كتب على نفسه الرحمة، وسيقدم لك العون، ولأن الأمر عائد لحرية إرادتك، فاحرص دومًا على امتلاك ذلك الكنز من النوايا الطيبة والمنظور الإيجابي، فهذا ما سيجعلك سعيدًا هادئ البال؛ لأن نقطة الانطلاق الجوهرية للحياة الطيبة دومًا هي في تغيير "باراديم" الإدراك لصناعة سيناريوهات أذكى في التعايش مع مواقف الحياة.