* أعيش ذكريات مشاهد وادي قريتي الأخضر، بداية سبعينيات القرن الماضي الميلادي، حيث غادرت القرية، وبشكل نهائي عام (1971م). بهدف تحقيق النجاح الدراسي. رجعت لزيارته بعد ربع قرن، فوجدته أرضا جرداء من دون زرع، خاليا من المياه. مات مع أهله الذين أعرف. حيث أصبحت الأجيال في طوابير خارج كل قرية.
* كان أهل قريتي، كنموذج، لبقية القرى في الجنوب الغربي للمملكة، يعتبرون المدرجات الزراعية جزءا من كرامتهم، يعاملونها كائنا حيا ذا مقام وشأن. ودرست في مناهج كلية الزراعة ما كانوا يمارسون. عرفت التفسير العلمي لممارستهم. برعوا في إدارة بيئتهم وشئون حياتهم. درست الزراعة الوقائية، وكنت شاهدا على وجودها كتراث مهاري. درست عن التربة، فوجدتهم علماء في إدارتها وإكرامها، كانت حية بمحتواها وعطائها.
* درست عن المياه والري، فوجدت إدارة المياه، على مستوى المزرعة، بكفاءة عالية. ولهم في تغذية المياه الجوفية وتنميتها، وسائل وأدوات بيئية بسيطة، تحقق أهدافا عظيمة. ولهم في استثمار الأمطار والسيول علم نافع.
* درست عن الغابات والبيئة، فوجدتهم أكثر دراية ومهارة بشجرها ومدرها وحجرها. درست عن الثروة الحيوانية، وتعجبت لتفاصيل مهارات إدارتها. درست عن صناعة الألبان، وتعجبت لقدرة نساء القرية على إتقان مهارات دقيقة، تناولتها مقررات صناعة الألبان.
* قضيت في القرية ثلاث سنوات، مدة الدراسة الثانوية، مارست خلالها الزراعة. وتعرَّفت بكلية الزراعة على كلمة (ريفي)، منها استنتجت أنني أنتمي إلى مجتمع ريفي. درست خصائصه، فوجدته يحكي قصة حياة أهلي.
* رسبت في نهاية سنوات الثانوية. أصبحت مزارعا بفضل عمّي الخبير. بعد الرسوب تم انتشالي وإنقاذي، بـ(ترحيلي) من القرية (قسرا)، لأبدأ حياة جديدة مع الدراسة والعلم. وبسبب تلك التجربة الزراعية، التحقت بكلية الزراعة، حتى أكون أول مهندس زراعي في القرية، بهدف مساعدة أهلها في واديهم المهم بعطائه، المانح لهويتهم وهيبتهم وأيضا لبقائهم.
* عاد جيلي بعد التقاعد، يحاول إعادة أسطورة السندباد التي يحمل، بحرق ثروات جمعها في أسفاره الشابة، وذلك بحضور الاجتهادات، وكثرة التحديات، وغياب المعلومة الزراعية والبيئية العلمية الصحيحة.
* بغيابنا فرَّطنا بثمار آبائنا البيئية. تجاوزنا محاذير كانت سائدة، ومنها أن يكون بناء البيت في الجبل الأصم، والزراعة في التربة الطينية النادرة، يحميها العرف والحاجة إليها، تحملها المدرجات (المساطب)، لزراعة القمح أولا وأخيرا، فهو مصدر كسرة الخبز التي كنّا نأكل.
* ضاع وتبخر كل التراث المهاري الزراعي والمائي، وكأني بأفراد جيلي يحاول التكفير عن تقصيره، بالعودة للتغنّي بما كان، وذلك بنشاط وزراعة أقرب إلى الشعوذة منها إلى الإنتاج لتطوير الحياة.
* البعض تبنّى الدعوة لزراعة الزيتون، أسسوا لها جمعية تعاونية، تداعوا إلى الأسهل، بدلا من زراعة (حنطتهم) التي يأكلون، وكنت أحدهم. البعض أدخل البناء والتعمير، وغرسه في تربة القمح التراثية، اجتثوا ثقافة عطائها الممتد عبر القرون. دمّروا بيئة الحنطة بالإهمال، وبحجج التنمية والتطوير، وبرفع شعارات متطلبات التغيير الحضاري التي يجهلون.
* حاليا أعيش فاجعة موت غابات شجر العرعر. تموت واقفة. كأنها تعلن عن إفلاس الأهل أجمعين. رأيت (كل شيء) وقد مات واقفا في كل قرية، ليزيد من الأوجاع. أدركت معها أن للغياب ثمنا. تذكرت أيضا، أن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها.
* لا أبكي على الماضي.. أبكي على مستقبل بيئة.. في ظل المؤشرات أراه ماثلا أمامي.. خاليا من الشجر والمدر. بيئة كانت تتغنى.. بحكمة أبنائها البيئية عبر القرون.. كانت حكمة أسست لكل علم نافع في التعايش مع المناطق الجافة. علم يندثر لم نعط له بالا وقيمة.
* درست عن المياه والري، فوجدت إدارة المياه، على مستوى المزرعة، بكفاءة عالية. ولهم في تغذية المياه الجوفية وتنميتها، وسائل وأدوات بيئية بسيطة، تحقق أهدافا عظيمة. ولهم في استثمار الأمطار والسيول علم نافع.
* درست عن الغابات والبيئة، فوجدتهم أكثر دراية ومهارة بشجرها ومدرها وحجرها. درست عن الثروة الحيوانية، وتعجبت لتفاصيل مهارات إدارتها. درست عن صناعة الألبان، وتعجبت لقدرة نساء القرية على إتقان مهارات دقيقة، تناولتها مقررات صناعة الألبان.
* قضيت في القرية ثلاث سنوات، مدة الدراسة الثانوية، مارست خلالها الزراعة. وتعرَّفت بكلية الزراعة على كلمة (ريفي)، منها استنتجت أنني أنتمي إلى مجتمع ريفي. درست خصائصه، فوجدته يحكي قصة حياة أهلي.
* رسبت في نهاية سنوات الثانوية. أصبحت مزارعا بفضل عمّي الخبير. بعد الرسوب تم انتشالي وإنقاذي، بـ(ترحيلي) من القرية (قسرا)، لأبدأ حياة جديدة مع الدراسة والعلم. وبسبب تلك التجربة الزراعية، التحقت بكلية الزراعة، حتى أكون أول مهندس زراعي في القرية، بهدف مساعدة أهلها في واديهم المهم بعطائه، المانح لهويتهم وهيبتهم وأيضا لبقائهم.
* عاد جيلي بعد التقاعد، يحاول إعادة أسطورة السندباد التي يحمل، بحرق ثروات جمعها في أسفاره الشابة، وذلك بحضور الاجتهادات، وكثرة التحديات، وغياب المعلومة الزراعية والبيئية العلمية الصحيحة.
* بغيابنا فرَّطنا بثمار آبائنا البيئية. تجاوزنا محاذير كانت سائدة، ومنها أن يكون بناء البيت في الجبل الأصم، والزراعة في التربة الطينية النادرة، يحميها العرف والحاجة إليها، تحملها المدرجات (المساطب)، لزراعة القمح أولا وأخيرا، فهو مصدر كسرة الخبز التي كنّا نأكل.
* ضاع وتبخر كل التراث المهاري الزراعي والمائي، وكأني بأفراد جيلي يحاول التكفير عن تقصيره، بالعودة للتغنّي بما كان، وذلك بنشاط وزراعة أقرب إلى الشعوذة منها إلى الإنتاج لتطوير الحياة.
* البعض تبنّى الدعوة لزراعة الزيتون، أسسوا لها جمعية تعاونية، تداعوا إلى الأسهل، بدلا من زراعة (حنطتهم) التي يأكلون، وكنت أحدهم. البعض أدخل البناء والتعمير، وغرسه في تربة القمح التراثية، اجتثوا ثقافة عطائها الممتد عبر القرون. دمّروا بيئة الحنطة بالإهمال، وبحجج التنمية والتطوير، وبرفع شعارات متطلبات التغيير الحضاري التي يجهلون.
* حاليا أعيش فاجعة موت غابات شجر العرعر. تموت واقفة. كأنها تعلن عن إفلاس الأهل أجمعين. رأيت (كل شيء) وقد مات واقفا في كل قرية، ليزيد من الأوجاع. أدركت معها أن للغياب ثمنا. تذكرت أيضا، أن الشاة لا يضيرها سلخها بعد ذبحها.
* لا أبكي على الماضي.. أبكي على مستقبل بيئة.. في ظل المؤشرات أراه ماثلا أمامي.. خاليا من الشجر والمدر. بيئة كانت تتغنى.. بحكمة أبنائها البيئية عبر القرون.. كانت حكمة أسست لكل علم نافع في التعايش مع المناطق الجافة. علم يندثر لم نعط له بالا وقيمة.