بالطبع لن أتحدث عن السمات الرديئة في تلك المجتمعات كلها، ولا عن كل السمات أو جلَها، بل يكفينا تمثيلا لبعض ما يعتري مجتمعات الشرق «وهنا أقصد الشرق الأدنى بالمصطلحات الجغرافية والسياسية» من أمراض متوارثة في الحقب التاريخية المتتالية، التي عاشتها شعوب هذه البقعة الجغرافية ضمن منظومات ثقافية ودينية واجتماعية وسياسية معقدة. وإذا أردنا التمثيل بظاهرة أو ظاهرتين مما تتصف به هذه المجتمعات «حتى في نسخها الحديثة» بصورة عامة، فإن المعوّل يكون على ما تخرجه لنا الحفريات الثقافية الرأسية في طرق تفكير تلك الشعوب، وتعاملها مع حقائق التاريخ ومشاهده المعروفة من جهة، ومع واقعها اليومي في حياة الناس من ذوي الانتماءات الشعبية على وجه الخصوص «لأن النخب لها طرق حياتها الممتدة في عوالم ثقافية خارج الحدود الاجتماعية» من جهة أخرى.
ويكفينا أن نتناول ظاهرة سائدة في مجتمعاتنا الحديثة، ولها بالتأكيد -كما أسلفنا- جذور ممتدة في ثقافاتنا القديمة، وتتمثل في التركيز على الجزئيات البسيطة غير المؤثرة في النظر إلى صورة المجتمع الكلية. وعندها يتخذ المرء قراره الأكيد بأن المجتمع مقبل على خير كثير «إن كانت تلك السمة إيجابية في نظره»، أو أن المجتمع مقبل على كوارث، ويسير نحو منحدر خطير «إن كانت من السمات السلبية في تقديره». وهذه واحدة من المآسي في طرق التفكير، التي لم تنجح مناهج التعليم لدينا، ولا طرق التربية في كثير من الأسر، في الحد من انخراط أفراد المجتمع فيها، وإصابة شرائح متعددة من المجتمع بالعدوى في بناء الأحكام واستقراء الأمور على هذا الوجه المضلل. ومن أجل توضيح القضية بمثال، أضرب لكم ما قرأته عن أحدهم، مدعيا أن نسبة تفوق ثلث سكان السعودية يمتلكون مكتبة منزلية، وأن نسبة قراءة الكتب لمن هم فوق 15 عاما بلغت 58% من العدد الكلي. ثم يستخلص أن الوطن أصبح بخير، نتيجة هذه المقدمات الغريبة والاستقراء المشكوك فيه.
ولو فحصنا تلك المقدمات، التي أراد أن يبني عليها النتائج، ثم الأحكام العامة، لوجدنا أنها خاوية، ولا تدل على شيء واضح ومنطقي، حتى لو اختلفت بشأنه التقديرات. فامتلاك المكتبة المنزلية أمر نسبي جدا، ويمكن لمن يملك رفا في ركن صالته المنزلية أو غرفة الاستقبال يحتوي على عدد من الكتب، بغض النظر عن طبيعتها، وصلاحيتها للقراءة، يمكنه أن يقول إن لديه مكتبة منزلية. والمعروف أن هندسة ديكور المنازل لدينا في العقدين الأخيرين من القرن الميلادي المنصرم قد اتجهت إلى تصميم أثاث الصالة المنزلية على أساس أن جزءا من الرفوف يحتوي كتبا إلى اليمين واليسار من الفتحة المخصصة للتلفزيون. ويمكن أن يضع بعضهم فيها كتبا حتى لو كانت من هدايا الأندية الأدبية أو المصنفات المتعددة الأجزاء من الكتب، التي لا يقرأها أحد، لكنهم قد يتباهون بوجودها في منازلهم، هذا عدا أنها مخصصة لمثل تلك الزينة، حيث يكتب اسم الكتاب أو اسم المؤلف على كامل الأجزاء «حرف على كل جزء، بحيث يصبح الاسم وكأنه لوحة بالخط العربي». لكن الأهم من كل ذلك: هل يقرأ أصحاب المنزل أيا من تلك الكتب، إن كانت أصلا كتبا صالحة للقراءة؟ وفي المقالة القادمة سأتناول الشق الخاص بنسبة قراء الكتب لدينا، خاصة من فئة الشباب.
ولو فحصنا تلك المقدمات، التي أراد أن يبني عليها النتائج، ثم الأحكام العامة، لوجدنا أنها خاوية، ولا تدل على شيء واضح ومنطقي، حتى لو اختلفت بشأنه التقديرات. فامتلاك المكتبة المنزلية أمر نسبي جدا، ويمكن لمن يملك رفا في ركن صالته المنزلية أو غرفة الاستقبال يحتوي على عدد من الكتب، بغض النظر عن طبيعتها، وصلاحيتها للقراءة، يمكنه أن يقول إن لديه مكتبة منزلية. والمعروف أن هندسة ديكور المنازل لدينا في العقدين الأخيرين من القرن الميلادي المنصرم قد اتجهت إلى تصميم أثاث الصالة المنزلية على أساس أن جزءا من الرفوف يحتوي كتبا إلى اليمين واليسار من الفتحة المخصصة للتلفزيون. ويمكن أن يضع بعضهم فيها كتبا حتى لو كانت من هدايا الأندية الأدبية أو المصنفات المتعددة الأجزاء من الكتب، التي لا يقرأها أحد، لكنهم قد يتباهون بوجودها في منازلهم، هذا عدا أنها مخصصة لمثل تلك الزينة، حيث يكتب اسم الكتاب أو اسم المؤلف على كامل الأجزاء «حرف على كل جزء، بحيث يصبح الاسم وكأنه لوحة بالخط العربي». لكن الأهم من كل ذلك: هل يقرأ أصحاب المنزل أيا من تلك الكتب، إن كانت أصلا كتبا صالحة للقراءة؟ وفي المقالة القادمة سأتناول الشق الخاص بنسبة قراء الكتب لدينا، خاصة من فئة الشباب.