سعت طهران المتزعمة لمحور «المقاومة والممانعة الطائفي» بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان في سبتمبر2001م والغزو الأمريكي للعراق في 2003م، إلى مد نفوذها في شؤون المنطقة سواء في العراق، أو في لبنان من خلال التحالف الثلاثي «إيران، سوريا، حزب الله» اعتمادا على المشروع الذي عرف باسم «الإستراتيجية الوطنية - نظرية أم القرى»، التي صاغها محمد جواد لاريجاني في كتابه «مقولات في الإستراتيجية الوطنية»، وأضيف إليها مشروع «الإستراتيجية الإيرانية العشرينية»، والتي تمثل خريطة طريق للسياسة الخارجية التوسعية الإيرانية اليوم، خصوصا تلك المتعلقة بما حول إيران من الدول العربية والإسلامية وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي. ويدور المشروع الإيراني التوسعي باختصار في أن التمركز في ساحات إقليمية رئيسية «العراق، سوريا، لبنان» «الحزام الشيعي» سوف يعيد تشكيل التوازن الإستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ويكسب إيران أوراقا مهمة تشكل محركا قويا لقيادة محور التغيير في المنطقة. وقد تحدث عن هذا المشروع «الحزام الشيعي» أو الهلال الشيعي، ملك الاردن عبدالله الثاني بن الحسين لجريدة الواشنطن بوست أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر عام 2004، حيث عبر فيه عن قلقه من «وصول حكومة عراقية متعاونة مع إيران إلى السلطة في بغداد تتعاون مع نظام الثورة الإسلامية بطهران ونظام البعث بدمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان». ورأى في «بروز هلال شيعي في المنطقة ما يدعو إلى التفكير الجدي في مستقبل استقرار المنطقة، ويمكن أن يحمل تغيرات واضحة في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة». إلا أن تفجر موجات الربيع العربي في عام 2011م أدى إلى انكماش هذا المشروع. فالثورة وصلت إلى سوريا ركيزة إيران في المنطقة والحليف الوحيد لطهران منذ عام 1979، والتي تمثل الممر الإستراتيجي إلى لبنان لتمويل حزب الله. كما أن الاحتجاجات السنية التي انفجرت في العراق في منتصف ديسمبر 2012 كانت بداية اهتزاز للوجود الإيراني في العراق. وقد حاولت القيادة الإيرانية التعويض عن خسارتها في سوريا والعراق بمد نفوذها إلى اليمن، إلا أن هذا أدى إلى عزلها دوليا من خلال تأزم علاقتها مع المجتمع الدولي وبالأخص مع الولايات المتحدة التي قررت الانسحاب من الاتفاق النووي وعاودت فرض العقوبات الاقتصادية عليها. كما أن التصريحات الرسمية الإيرانية التي تؤكد تصدير الثورة إلى العديد من دول المنطقة وقيامها بتدريب الميليشيات داخل هذه الدول من خلال الحرس الثوري الإرهابي، وأنها مستمرة بزيادة نفوذها من خلال دعم حلفائها بكل الوسائل في هذه البلدان، هذه التصريحات المدعومة بسلوك حقيقي في هذه الدول أدى بشكل طبيعي إلى تأزم علاقات إيران الإقليمية وإلى حشد كل دول المنطقة ضدها. وكل هذا واكب عقوبات اقتصادية أنهكت اقتصادها وأوصلتها إلى حد الإفلاس. وبالتالي فالمشروع الإيراني القائم على الاستغلال الطائفي والميليشيات الشيعية المسلحة سواء في العراق، أو في لبنان، أو سوريا أو اليمن انتهى به المطاف أن يعزل دوليا وتتأزم علاقاته إقليميا ويحاصر اقتصاديا.
وأخيرا اعتقد أن إيران تعيش اللحظات الأخيرة، تعيش حالة الإفلاس الأخير، فالمشروع الإيراني التوسعي في المنطقة بدأ يتلاشى، هذا المشروع الإيراني الشمولي الذي لا يختلف عن ألمانيا النازية أو أي نظام شمولي في تبنيه للنزعة التوسعية، والعنصرية، والاستهتار بكل المواثيق الدولية، الحل كما قلت سابقا مع هذه المشاريع لم يكن أبدا الاحتواء والتنازل وإنما المواجهة الكاملة، وهذا ما نشهده هذه الأيام من خلال الحصار الاقتصادي والعزل السياسي والملاحقة الأمنية، حتى يخرج من صلب هذا النظام من يتخلى عن الفكر الثوري الشمولي ويتجاوز مفاهيم الثورة إلى الإيمان بالفكرة الوطنية ومفهوم الدولة واحترام المواثيق الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول للوصول إلى مناخ سياسي صحي يساهم في أمن واستقرار المنطقة ويغير من واقعه الفوضوي.