و«قيصرية الكتاب» تقع في منطقة قصر الحكم بالرياض، وهي من ضمن برامج هيئة تطوير الرياض. وقد صمم الموقع بما يتوافق مع المنطقة من الناحية التراثية والعمرانية؛ من أجل جذب الناس إلى عالم الثقافة والمعرفة والكتاب. ويتكون الموقع من 14 موقعا للمكتبات، ومقاهٍ وأماكن مخصصة للجلوس والقراءة. وستتوفر الكتب التاريخية والقديمة، وستكون هناك لقاءات عامة للاهتمام بموضوع القراءة، ولعل ذلك يساعد على أن يكون مشهد الكتاب أكثر حضورا في عالمنا. وستكون هناك أيضا أنشطة ثقافية طوال العام والتي آمل أن تتمحور كلها حول الكتاب والقراءة والكتابة، وأن تصب كلها في هذا الينبوع لجميع أطياف المجتمع وألا تكون القراءة والكتب خاصة فقط بالمثقفين والأكاديميين.
وهناك أخبار أيضا مفرحة في نفس سياق موضوع القراءة، حيث نقل موقع «الأخبار الآن» عن تقرير نشره موقع (جلوبال إنجليش إديتينغ) أن السعودية تقدمت في معدل القراءة الأسبوعية إلى المرتبة العاشرة بمعدل 6.4 ساعة في الأسبوع لعام 2018 (الهند في المركز الأول بمعدل 10.4 ساعة قراءة في الأسبوع).
وتخيل معي حين تدخل إلى تلك القيصرية وتجد كل شخص مشغولا ومنهمكا بقراءة كتاب، فذلك يذكرك بما روي أن هارون الرشيد دخل على ابنه المأمون وهو ينظر في كتاب، فقال له: ما هذا؟ فقال (المأمون): كتاب يشحذ الفكرة، ويحسن العشرة. فقال (الرشيد): الحمد لله الذي رزقني من يرى بعين قلبه أكثر ممن يرى بعين جسمه.
ولا بد أن تكون هناك أيضا مساهمة فعالة من القطاع الخاص في نشر ثقافة الكتاب والقراءة بين المؤسسات والشركات والتشجيع على القراءة، وسيكون لذلك مردود على الطرفين الموظف والمؤسسة أو الشركة. ولعل الفكرة تمتد إلى مختلف الأماكن مثل المقاهي الخاصة، والمولات، والمطارات، وغيرها من الأماكن التي تكثر فيها ساعات الانتظار.
والمتأمل لنهوض الحضارات تاريخيا يجد العلاقة والارتباط واضحا ووثيقا بين الكتاب والحضارة. ومثال تلك الحضارات البابلية، والصينية واليونانية، والإسلامية (حيث الشغف بالقراءة والتنافس على أشده بين قرطبة وبغداد في حمل اللواء لتكون منارة للكتاب والحكمة)، ثم جاءت النهضة الأوروبية، وحتى عصر التقنية والإنترنت الحالي كلها دلائل على ذلك الارتباط (الكتاب والحضارة).
ومن صور الشغف بالقراءة أنه حين انتقد أحدهم على (أبو عثمان) الجاحظ حبه للكتب قال له: «وعبت الكتاب ولا أعلم جارا أبر، ولا خليطا أنصف، ولا رفيقا أطوع، ولا معلما أخضع، ولا صاحبا أظهر كفاية، ولا أقل غيبة، ولا أكثر أعجوبة وتصرفا، ولا أقل أصلفا وتكلفا، ولا أكف عن قتال وشغب ومراء من كتاب». وقد قال الحسن اللؤلؤي (من أصحاب الإمام أبو حنيفة): «غبرت أربعين سنة ما قِلت، ولا بت، ولا اتكأت إلا والكتاب موضوع على صدري». وما أجمل هذا العشق حين يحتضن الكتاب صدرك، فتنام وتصحو على كلماته وهمهمته!.
ويا ليت الفكرة (قيصرية الكتاب) تنتشر انتشار النار في الهشيم في كل المدن لتصبح ظاهرة حمل الكتاب كظاهرة احتضان الأيدي للجوال!