تتجلى العبقرية الأكاديمية لرفيق رحلتي (قشاش)، في توظيف تخصصه اللغوي، لتعزيز اهتمام تربى ونشأ عليه. السؤال: كيف استطاع تحقيق إنجازاته في عالم النبات، على حساب تخصصه الأكاديمي؟ يأتي جوابي في كلمتين لا ثالث لهما: (التعليم الذّاتي). حيث أكد وأثبت بالممارسة، أنه التعليم الأفضل ثمرة، والأعمق تأثيرا من أنماط التعليم الأخرى. ثم كان لتخصصه السند والأساس لتعليمه الذاتي، حيث أخذت اللغة بناصية اهتمامه إلى النجاح والإنجاز، والشهرة على حسابها.
بدأت شرارة الإبداع عند (قشاش) بتساؤل أكاديمي، تخيلته كالتالي: هل أستطيع رصد النباتات التي وردت في أبيات الشعر العربي القديمة؟ هل انطلق من هذا التساؤل؟ لم أجد تبريرا منطقيا خلاف هذا. هكذا وببساطة، بدأ غزوته الكبرى على تخصص النبات، حيث أخضعه لطوفان شغفه واهتمامه. وتوج جهدة ببناء امبراطورية لغوية نباتية مصورة. كأنه يحاكي عظماء القادة والفاتحين الذين تعرّف عليهم من خلال دراسته وتخصصه.
هذه الامبراطورية عبارة عن معجم من جزءين بعنوان: (النبات في جبال السراة والحجاز). أصبحت مساحة لموسوعة علمية، يفد إليها كل المهتمين بالنبات، يستلهمون الأفكار، ويستندون في إنجازاتهم على معلوماته، حتى دون ذكره كمرجع من البعض.
امبراطورية قشاش لا تقاس بالمساحة، وليس لها ضحايا. ولكنها تقاس بعدد الصفحات التي بلغت (1406) صفحات في مجلدين. وبعدد (400) اسم لنباتات حدد مواقعها في المعجم، وشيد في محتواه، ولكل نبات، قلاعا من المعلومات العلمية، والتراثية، والتاريخية، والجغرافية، واللغوية. إنه التعليم الذاتي الذي جعله خبيرا متفوقا على أصحاب التخصصات الأكاديمية بنمطها المعروف.
إن نجاح عالم النبات (قشاش) تحقق بالتعليم الذاتي، الذي استمر عشر سنوات متواصلة في مسيرة ونضال التحصيل. سنين تزيد على سنين دراسته النظامية للماجستير والدكتوراه. في نهايتها حقق امبراطورية معجم النبات. زار معظم سلسلة جبال السراة والحجاز، ومعظم جبال اليمن وعمان، وكذلك جزيرة سقطرى. عشر سنوات قضاها في إعداد مادة معجمه الفريد والنادر.
تكررت زياراته لجمع المادة العلمية، لتصوير النباتات في مراحل نموها المختلفة. وصرف على إنجازه العلمي أكثر من مليون ريال، غير الجهد والوقت. وقد استعان بمصور إنجليزي، براتب يزيد على (ثلاثين ألف) ريال شهريا. لم يتلق أثناء هذا العمل وطباعته أي دعم من أي جهة. جهد شخصي جعله يتربع على كرسي الريادة، كنموذج للأكاديمي المبدع، وكقدوة سيظل عطاؤها مستداما.
وبعد، هل عرفتم سر نجاح (قشاش) في عالم النبات البعيد عن تخصصه. أسرد لكم قصته مع النبات، لإزالة (لبس) يستغله أعداء النجاح سلبا. وأيضا ليسهل عليكم استيعاب وفهم مقالي القادم عن مركزه العلمي الاستثنائي، الذي جعلني أردم التراب على الاسم الدارج بقولهم مزرعة (قشاش). يقول ألبرت أينشتاين: التعليم الذاتي، هو التعليم المثمر الوحيد على وجه الأرض.