الأمر ينطبق، أيضا، على الاندفاعة نحو تمكين المرأة بعد أن طال غيابها عن مواقع العمل والتأثير التنموي والاجتماعي، حيث لا بد أن يكون هذا التمكين مربوطا بالكفاءة العلمية والعملية وإلا فإننا سنقع في مطب الشكليات الذي يستبدل فقط وجوها رجالية بوجوه نسائية دون إعطاء اعتبار للقدرة والكفاءة عند أحدهما. وضع الشخص المناسب في المكان المناسب يجب أن يكون هو القاعدة بغض النظر عن السن أو الجنس.
الشباب ليسوا أولا وليسوا أخيرا وسأشرح لكم ما الذي أقصده بهذا الكلام الذي سيبدو لكم غريبا. هناك الآن، في كل الدول العربية ومنها المملكة، اندفاعة رسمية وإعلامية وعملية نحو الشباب من الجنسين وكأننا اكتشفنا للتو وجودهم. في كل محفل وفي كل مناسبة الشباب يتصدرون لوحدهم المشهد باعتبارهم المعول عليهم في بناء الحاضر وتمكين الوطن والمجتمع من المستقبل. وهذا، من وجهة نظري، غير صحيح البتة. العبرة دائما في بناء الدول والمجتمعات وتقدمها بالكفاءات البشرية بغض النظر عن أعمارها. يعني قد يكون شخص فوق الخمسين كفؤا في أفكاره وإنتاجه ووظيفته بما يعدل عشرة شباب، وقد يكون شاب في العشرينات يعدل في كفاءته عشرة شيوخ من الذين لم يعد لديهم ما يضيفونه أو يطورونه.
العبرة إذن بالكفاءة العلمية والعملية وليست بالسن فقط. وإذا تهيأ للمجتمع، أي مجتمع، مجاميع شبابية مؤهلة وكفؤة كقيادات وموظفين ورواد أعمال فهذا خير على خير، لكنه لا يلغي أو يقلل من أهمية الأكبر سنا والأكثر خبرة ما داموا يتمتعون بالكفاءة ولديهم الاستعداد للإبداع والبذل وتحقيق قيم عملية وتنموية كبرى. ولذلك يجب أن يكون تمكين الشباب وتسليمهم مقود المشاريع التنموية محسوبا بدقة ومعتمدا بالكامل على قدراتهم وكفاءاتهم بالدرجة الأولى. كما يجب أن نحذر، ونحن نندفع نحو الشباب، من أن نفرغ جهات العمل وحواضن التنمية، عامة أو خاصة، من الكبار الذين ما زالوا قادرين على البذل والعطاء، وقادرين على أن ينقلوا حكمتهم وخبراتهم إلى الشباب المستعدين لتلقي هذه الحكمة وهذه الخبرات.