DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

الحفاظ على التراث العمراني والتجديد

الحفاظ على التراث العمراني والتجديد
ربما زار كثير من القراء عددا من بلدان العالم، ورأوا حرص الأمم المتقدمة والواعية بقيمة الحفاظ على تراثها العمراني من الاندثار، على ترميم تلك المباني القديمة، وعدم الاستغناء عنها بحجة التجديد أو توسيع الشوارع وبناء أحياء وأسواق ومشاريع جديدة. وقد عجبت من وعي حتى بعض البلدان النامية، التي لا تملك المال للإبقاء على بعض مبانيها التاريخية أو الرمزية، أو حتى ذات المعمار المميز، حيث تشترط على أي مطور أن يبقي على ذلك التراث بهيئته القديمة، وأن يحافظ عليه من التأثر بأي أعمال إنشائية مجاورة قد تعجل في تهاوي بعض أجزائه.
أما البلدان المتقدمة والغنية، فإنها تحيط أي بناء رمزي أو تاريخي نادر بمنظومة من الخدمات ومرافق الترفيه والمواقف والإنارة واللوحات الإرشادية، وتجعل منه معلما تشير إليه بعض اللافتات ذات اللون المحدد للأماكن السياحية والمزارات. وفي بعض تلك الحالات لا يكون البناء قائما، بل بعض أركانه أو مكانه فقط، ويعوض ذلك النقص بلوحات مصورة وشروحات عن وضع المبنى قبل سقوطه، وربما إنشاء متحف في مكانه إن كانت له قيمة تاريخية كبيرة. وبعض تلك المزارات لا تختلف عن البيوت المجايلة لها إلا في ارتباطها بشخصية تاريخية أو حدث مهم، من ذلك على سبيل المثال البيت الذي ولد فيه شكسبير في شمال انجلترا، أو المنزل الذي عاش فيه موتسارت في مدينة سالزبورج بالنمسا. حيث تسهم مثل تلك المواقع في ازدهار السياحة بالمدن التي توجد فيها، وكذلك بالصناعة المتعلقة بشهرة الشخصية: مثلا صناعة الأشياء المتعلقة بالكتب أو القراءة مع صورة ذلك المنزل الذي ولد فيه الشاعر الإنجليزي الشهير، أو صناعة قوالب الحلوى والمقطوعات الموسيقية بالنسبة للعبقري الموسيقي العالمي موتسارت، وتكون على شكل منزله، أو بعض أدوات ذلك المنزل. وكذلك الأمر في بعض البلدان الأقل تقدما، كما هي الحال في تركيا باستغلال شخصية إسلامية عالمية مثل: جلال الدين الرومي، الذي يكفي وجود صورته، أو بعض رقصات أتباعه (الدراويش)، على فناجيل القهوة أو صينية حملها، ليتلقفها السائحون الذين يريدون حمل تذكار إلى بلدانهم، مثلما أصبحت مدينة قونيا (في الأناضول) واحدة من مناطق الجذب السياحي بسبب تلك الشخصية الفريدة، التي عاشت هناك في القرن الثالث عشر الميلادي.
عودة إلى ظاهرة الاهتمام بالتراث العمراني المميز نفسه، فقد لفت نظري في بعض المدن الأوروبية، خاصة الشرقية منها مثل بودابست وبراغ وبراتيسلافا، الحرص الشديد على ألا يزال أي مبنى يمكن ترميمه (بمعنى أن تكون أساساته قوية لإعادة البناء على تلك الأساسات). ولهذا السبب بودابست مثلا مدينة مميزة جدا في الوسط، الذي بقي هو وسط المدينة منذ مئات السنين. وإذا تقادم أحد المباني، وأصبح غير مناسب للسكنى والاستخدام التجاري، فإنه يعاد تجديده بحيث ينسجم في ارتفاعه وملاصقته للمباني المجاورة، وحتى النقوش التي عليه والفنون يعاد بناؤها، ما لم تكن تماثيل فنية يصعب إنتاجها في العصر الحاضر. وبعد أن يكتمل بناؤه يظنه المشاهد من مباني ذلك العصر، لولا بعض التجهيزات من الداخل كالألمنيوم والتكييف والإضاءة، التي روعيت فيها شروط العصر الحاضر ودرجة الأمان المفروضة.
ولذلك تكون الفسوحات المخصصة للبناء مختلفة من منطقة إلى أخرى، ولا بد أن يراعى فيها تاريخية المنطقة، وملاءمة المبنى المنشأ، حتى لو كان جديدا على أرض فارغة، للبيئة من حوله، ويتناسب معها في الطول ونوع البناء ولون المواد وغيرها من العوامل الضرورية لتلاؤم المباني في منظومة واحدة. مع أن هذه البلدان لا تملك المال الكافي، وتحصل على المعونات التنموية من الاتحاد الأوروبي، لكنها واعية بقيمة الحفاظ على تلك المكتسبات.