حسب فهمي المتواضع أن الغاية من الابتعاث هي أخذ العلم من مظانه الأصلية، ومن حاضنته وبيئته الثقافية التي أنجزته، وأعطته تلك المرموقية. هذا ما أفهمه عن الابتعاث، أو ما يجب أن تقوم عليه فلسفة الابتعاث لتؤتي ثمارها بأفضل ما يمكن أن يكون. لا يكفي أن تكون الغاية من الابتعاث هي العلم المتجرد بمفرده، هذه مهمة سهلة، المهمة الأصعب هي استيعاب ثقافته وبيئته التي رفعت قيمته ليكون مستهدفًا لطلاب دول العالم، لكن كيف يتسنى لنا تطبيق هذا المفهوم، ودفع مبتعثينا للاحتكاك مباشرة بالثقافات التي ابتعثناهم إليها ونحن نكدسهم في جامعات معيّنة، ومدن معيّنة، بحيث يعيدون بناء بيئتهم على هيئة مجتمعات صغيرة في نفس مدن الابتعاث، وبالتالي يكون احتكاكهم فيما بينهم وبين بني جلدتهم فقط إلا فيما ندر، بل قد يعيدون صياغة حياتهم في ديار الابتعاث ويصبغونها بصبغة بلادهم، فيفتحون الاستراحات التي تجمعهم، ويمضون معظم أوقاتهم فيما يشبه الكانتون المغلق، حتى أن بعضهم قد يمضي بعثته دون أن يعرف أي شيء عن المدينة والمجتمع الذي يقيم فيه عدا البقالة العربية، والمطعم العربي الذي هو جزء من أدوات عزلنا لأبنائنا عن محيطهم الثقافي خارج الجامعة.
لذلك.. لو كان لي من الأمر شيء لحاولت قدر الإمكان أن أمنع التكدس في جامعات الابتعاث بأي طريقة، وطلبتُ من طلابنا بناء العلاقات مع محيطهم الذي يعيشون فيه، وجعلتُ لهذا الشأن ميزة ما؛ لأن بناء العلاقات مع المحيط العلمي سيوفر لهم فرصة نقل قيمه العلمية والعملية فهي أهم منه ربما، كذلك بناء العلاقات الثقافية والاجتماعية من شأنه أن يزيد من قدرة الطالب على فهم واستيعاب الحضارات والثقافات الأخرى، ويعزز بناء العلاقات الإنسانية، كما يتيح الفرصة له لتمثيل بلاده اجتماعيًا وخارج الإطار الرسمي، وتسويق ثقافتها بعيدًا عن الصورة النمطية.