ولعل الرحيل الصامت لهذا الجندي، الذي طالت فترة عُزلته منذ إحالته إلى التقاعد حتى وفاته، يعود بنا من جديد إلى حديث الوفاء للمربين الرواد وضرورة تكريمهم حال حياتهم، والعناية بكتابة خلاصة تجاربهم التي قلنا والكثيرون غيرنا بأهمية نقلها للأجيال المتعاقبة للاستفادة منها، بل على الأقل التعرّف على المعوقات التي ما زالت تواجه طموحاتنا في تعليم أفضل لأبنائنا وتحقيق التطوير المنشود، رغم الإمكانيات والموارد الهائلة التي تخصصها الدولة للتعليم والعناية التي تلقاها مؤسساته من القيادة الحكيمة، والبرامج والمشاريع والخطط، ومحاولات التغيير المتكررة التي ما زالت رغم تعددها عاجزة عن الوصول إلى ما نريد.
لقد رحل عبدالله الحميضي، ورحل قبله عبدالعزيز التركي، وفوزان الحمين، وعبداللطيف العقيل، وحمدان السريحي، وغابت معهم تجاربهم وخبراتهم، وقد يرحل آخرون غيرهم وما زالت الجهود دون المستوى؛ لسبب بسيط هو أن أصواتنا تعلو كلما رحل أحدهم بمثل ما أطالب به اليوم من توثيق سيرتهم أحياء ثم تخبو هذه الأصوات إلى أن يرحل رائد جديد.. فإذا بُذلت محاولة لتلافي ذلك إما أنها تموت في مهدها أو يطالها النسيان والإهمال، فما زلتُ منذ سنوات أسمع أن هناك محاولة لكتابة سيرة الرائد الحقيقي للتعليم النظامي في المنطقة عبدالعزيز التركي، ولم نسمع بعد أن هذا العمل قد اكتمل.
هم أرادوا أن يرحلوا في صمت وعزفوا عن الحديث عن أنفسهم.. لكن المقصرين هم نحن الذين قصّرنا في حقهم مرتين أولاهما عندما غادروا دون أن نكرّمهم، ثم أتبعنا ذلك تقصيرنا في جمع تجاربهم والاستفادة منها.. رحمهم الله، وأجزل لهم الأجر والثواب.