لذلك أنا أتصور أننا، وفي هذه المرحلة بالذات، بأمسّ الحاجة لتطوير أداء العمل التطوعي، ورفع كفاءته بزيادة الشرائح الاجتماعية المنخرطة فيه، وبمعنى ما مأسسة العمل التطوعي بالشكل والطريقة التي تتيح للجميع المساهمة فيه بدءًا من طلاب المدارس الابتدائية، وحتى المتقاعدين، وهنالك عشرات الآليات التي لجأتْ إليها بعض الدول لتعزيز وزيادة مساحة وعددية العمل التطوعي، منها على سبيل المثال تحويل ساعات العمل التطوعي إلى نقاط تفضيلية تعطي المساهم الأولوية في بعض الخدمات أو الامتيازات، كأن تعطي الطالب مثلاً صيغة تفضيلية في قبول الجامعات، أو تعطي المعلم نقاطا إضافية تفضيلية في عملية النقل، وهكذا.
ذات مرة تساءلتُ ما الذي يمنع من إعفاء مواطن تطوع في زراعة الشارع المحاذي لمنزله من فاتورة المياه؟، أليس من الممكن أن تدفع هذه المكافأة الضمنية الصغيرة غيره للتطوع بعمل مماثل؟. في حين أني أعرف من تطوّع بإعادة استزراع شجر الطلح (الأكاسيا) على طول امتداد أحد الأودية داخل إحدى المدن، وعلى نفقته الخاصة فيما كانت مكافأته شهادة تقدير ودرع معدنية، نعرف أنها تُصرف بلا حساب وفي مجاملات لا تُقدم ولا تؤخر.
لهذا أريد أن أقول: إذا أردنا أن نوسع دائرة العمل التطوعي، ونجعله يستوعب كافة الأعمال الخدمية المدنية، ونحوّله إلى ثقافة مجتمعية فعلينا أن نقترح مكافآت نوعية للمبادرين، وأن نبادر كمؤسسات وجهات رسمية إلى تثمين مبادراتهم لصناعة القدوة، وتعزيز الأنموذج، وجعل العمل الطوعي كما أسلفتْ عبارة عن نقاط تفضيلية في سجلات صاحبه، تعطيه الأولويات والامتيازات التي يستحقها، وبهذا نستطيع أن نستقطب الشريحة الكبرى من المجتمع للعمل التطوعي.