DAMMAM
الخميس
34°C
weather-icon
الجمعة
icon-weather
34°C
السبت
icon-weather
37°C
الأحد
icon-weather
33°C
الاثنين
icon-weather
34°C
الثلاثاء
icon-weather
36°C

بي بي سي.. «تتحزم»..!

بي بي سي.. «تتحزم»..!

انهمر صوت المذيعة الصخابة مرتاعا فاتحا ثقوب السماوات السوداء وناثلا لافا البراكين الثائرة، وظلمات الكهوف الغائرة وسرمديات الربع وحفلة أنخاب الشيكران في كيوس الأيونية.

كيف لا، وهي قد اكتشفت مدهشات الدنيا: أصحاب الكهف ذوي العظام الرميم، ورمسيس الباسل يعود الى اواريس مرذولا من بلاد كنعان، والقيصر يضمد أوجاعه في تساليا، وهانيبعل المكلوم يغرس سيفه في خاصرة قرطاج، وخالد بن الوليد يحجم عن خوض اليرموك وتيمورلنك ينتحر على أبواب سمرقند، والإسكندر مصلوبا في براري سجدانيا، ومارلو ينحر هيلين، غادة تراوده، «الأعذب من نسم المساء»، وأهوال أخرى. وصاحت كطاغور «روحي تهفو، تواقةً، إلى لمس طرف المدى المظلم» وصرخت كأرخميدس «وجدتها».

ولا يمكن لأي متلق ضيق النفس تخيل أقل من هذه المشاهد المروعة المتناقضة، حينما يستمع الى صوت مذيعة «بي بي سي» ألمى حسون يتهادى ويثور، وهي تتلو الفتح المبين. واكتشافاتها المثيرة، بعد أن فتحت القمقم و«اكتشفت» ثلاث نسوة تدعي بعضهن أنهن سعوديات أسسن محطة إنترنت مناهضة للولاية. هذه الولاية التي حولتها البروباغندا الهذارة من رأي أفراد، إلى «بضاعة» تعرض في كل سوق.

توصلت حسون الى «صوت» امرأة، شبح مجهول، وليس من المؤكد أنها امرأة أصلاً، إذ كانت مجرد صوت، رمزت لاسمها بـ «عشتار» قالت إنهن عشر سعوديات، واعترفت بأن بينهن مصرية ويمنية!.

طبعا المذيعة الهمامة وعلى سليقة خفة «التابلويد» استنتجت، وحدها وبذكائها الخارق للغيبيات والجدران والدروع وخطوط النار ان الولاية «مشكلة كبيرة في السعودية» والشاهد «عشتار» الشبح، ومصرية ويمنية. ولم تتأكد مذيعة بي بي سي، عما اذا كانت عشتار نفسها سعودية وعما إذا كان يوجد ـ حقيقة ـ أخريات، وعما إذا كن سعوديات فعلا، وما اذا كن «ملغمات» بحملات دعائية اعتيادية، هذه الأيام، موجهة للسعودية، ويعلم بها كل صحفي عربي وغير عربي أيضا، وعما إذا كانت الولاية فعلا مشكلة، وعما اذا كانت الهشتاقات ترددها آلات وظيفية. ثم ناحت مذيعة القناة الدولية، (بتحسر يقطع القلب) حول «مشكلة أخرى» هي استضافة السعودية لسجينات ومعنفات في دور رعاية بعد أن رفض ذووهن عودتهن إلى المنازل. نسوة انتهت محكوميتهن ويرفض ذووهن عودتهن للمنزل، ما هو الحل؟

يبدو الحل، برأي ألمى حسون، واحدا وحيدا وعبقريا: أن ترمي السعودية هؤلاء النسوة في الشارع.

حسناً، هب أن العشر (ولسن عشرة آلاف) سعوديات، فما الذي يجعلهن ظاهرة تستحق كل ذلك العويل والنواح والصراخ، سوى السطحية والحشف وسوء الكيل وما يغلي في الصدور.

الخلاصة أن «بي بي سي»، التي عرفناها مدرسة صحفية عريقة محكمة القواعد المهنية، تحولت، في بعض برامجها، وبتأثير عرب ذوي ضحالة مهنية ومتحزبين، الى إذاعة تابلويد: كثير من الإثارة والبهارات والفبركات والرقص لقول مستمع شبح مجهول، قد يكون مدفوعاً من جيب ما. واذا كان الأمر احتفاء بمجاهيل يمكن لأي مجهول، من كهف ما، أن يتواصل مع «بي بي سي»، ويدعي انه معارض، بالذات مصري او سعودي، فتبدأ الحفلة في الاستديو، فتتعرى الإذاعة المهيبة وترقص على «الوحدة ونص». وبحكم خبرتي يحق لي أن أزعم أنني أعرف متى يتحكم في الصحفي جهله وسطحيته أو هواه، ومتى يكون متحزبا أيديولوجيا صفيقا او منقادا عاطفيا. ومتى يكون مهنيا محترفا متحليا بالأخلاقيات المهنية التي تلزمه بالتأكد من صحة كل معلومة يوردها. ولا يعزو معلوماته الى «أصوات» من وراء طباق ظلمات المجهول. لا «عشتار» ولا حتى فينوس أو أبولو. منذ ان تربعت الراقصة فيفي عبده على مقدمة برامج وأخذت بناصية الفضائيات، تيقنت ان إعلام الستالايت سوف يناسل فيفيات أخريات و«يتحزم».