وفي الواقع أن فكر «التغييب» هذا يعد ممارسة إقصائية متطرفة، تهيئ لتلك الجماعات، التي تحقق لها في غفلة من الزمن السيطرة على فكر العامة، حتى أصبح أساطينها رموزا ذوي سلطة مطلقة على الشارع العربي، وأثروا ثراء فاحشا من خلال ثقة الناس الكبيرة بهم، وانفتاح أبواب التكسب لهم من كل جانب. وفكرهم هذا أخطر من دعوات المفكرين الذين لا يزعمون صحة مطلقة لما يقولون، ولا يتكسبون بفكرهم كما يفعل أولئك التغييبيون، ولا يدعون أيضا إلى الأخذ عن الغرب فقط، بل يؤيدون الأخذ بأسباب التقدم، سواء كانت الوسائل آتية من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. غير أننا في العصر الحديث نجد تقدم العلوم والصناعة والتقنية في جله غربي المصدر، فيدعو التنويريون (الذين يتهمهم أهل التغييب بكونهم تغريبيين أو علمانيين أو ليبراليين) إلى الأخذ بأسباب هذا التقدم، والبدء من حيث انتهت الحضارة الحديثة، إذا كانت مجتمعاتنا ترغب في مسايرة الركب العالمي. لكن لو أخذنا عن تجارب اليابان أو كوريا الجنوبية المتقدمتين صناعيا وتقنيا على سبيل المثال، فلن يقول أي من الكتاب التنويريين إن علينا أن نتجه إلى الغرب فقط، لننهل من تجاربه المتطورة. وفي الواقع يوجد لدينا أيضا بعثات علمية إلى بعض الجامعات اليابانية، وتعاون تقني وصناعي مع بعض الشركات الكورية الجنوبية في مجالات الصناعات البتروكيماوية على وجه الخصوص. وما يؤلم بعض المخلصين لأوطانهم أن كثيرا من دعاة رفض التغريب يستهلكون من الغرب أكثر من غيرهم، ويسافرون إلى بلدان الغرب لقضاء إجازاتهم، ويرسلون أبناءهم وبناتهم للدراسة في جامعات غربية، أما أولاد الأتباع فعليهم -من وجهة نظر أولئك المنتفعين- أن يبقوا بعيدا عن الغرب لئلا يعصف بهم التغريب!
يصدع رؤوس الناس كثير من المؤدلجين بمصطلحات ذات معانٍ جوفاء، ولا تصلح سوى لحقبة الشيوعية وما رافقها من الاتجاهات المكارثية المضادة، أو حقبة هيمنة الجماعات الإسلامية (سواء منها ما كانت خطاباتهم مدنية وسياسية كالإخوان المسلمين، أو ذات الخطاب الحركي التي حملت السلاح وحرضت على العنف من خلال كوادرها التي تأتمر غالبا بأمر الجماعات المدنية السياسية). ومن تلك المصطلحات التي تدور عليها رحى فكرهم بنوعيه (الناعم الذي يتخذ صبغة السياسة والمدنية، والحركي الذي يتخذ صبغة العنف والتطرف) ما يطلقون عليه «التغريب» في إشارة إلى السلوك الطبيعي الذي تتبناه أغلب مجتمعات الأرض في العصر الحديث، حيث تحاول الاستفادة من تجارب الغرب المتقدم في حضارته وصناعته وعلومه، مثلما أخذ الغرب نفسه من شعوب أخرى سبقته في هذا المضمار.
ولماذا أقول إنه مصطلح أجوف لا معنى محددا له، ولا يوجد إطار يمكن أن يفهم وصفه به؟ فكل ما لا يعجب تلك الجماعات، أو لا يخدم أجنداتها المحلية أو العالمية، يدخلونه فيه، ويحذرون الناس منه. كما أنهم يستخدمونه بالطريقة المكارثية، لوصم خصومهم الذين يفضحون أساليبهم، بأنهم يسيرون في ركاب التغريب، ويريدون -حسب زعمهم- مسخ الهوية لإرضاء الغرب، أو التحول إلى نسخ مشابهة لهم. ولو طلب من يجادلهم أن يبينوا ماهية هذا التغريب، أو مجالات الخلل المنافية للهوية التي يظنون بأن بعض قومهم قد وقعوا فيها، لما أتوا بأجوبة متماسكة تبين فكرتهم التي بنوا عليها وصف غيرهم بالتغريبيين. وهناك منهم من يأتي بحزمة كاملة من التهم للخصوم، بوصفهم تغريبيين وعلمانيين وليبراليين وغير ذلك من الأوصاف التي لا يفقهون فيها سوى أنها سلبية، وباستبعاد فكر من يصفونهم بها تخلو لهم الساحة لممارسة فكر «التغييب»، التغييب عن الواقع، وتغييب العقل عن التفكير، وتغييب التنمية لاستيراد النماذج القديمة التي تصوروها لرفعة الأمة وعودة مجدها.
وفي الواقع أن فكر «التغييب» هذا يعد ممارسة إقصائية متطرفة، تهيئ لتلك الجماعات، التي تحقق لها في غفلة من الزمن السيطرة على فكر العامة، حتى أصبح أساطينها رموزا ذوي سلطة مطلقة على الشارع العربي، وأثروا ثراء فاحشا من خلال ثقة الناس الكبيرة بهم، وانفتاح أبواب التكسب لهم من كل جانب. وفكرهم هذا أخطر من دعوات المفكرين الذين لا يزعمون صحة مطلقة لما يقولون، ولا يتكسبون بفكرهم كما يفعل أولئك التغييبيون، ولا يدعون أيضا إلى الأخذ عن الغرب فقط، بل يؤيدون الأخذ بأسباب التقدم، سواء كانت الوسائل آتية من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. غير أننا في العصر الحديث نجد تقدم العلوم والصناعة والتقنية في جله غربي المصدر، فيدعو التنويريون (الذين يتهمهم أهل التغييب بكونهم تغريبيين أو علمانيين أو ليبراليين) إلى الأخذ بأسباب هذا التقدم، والبدء من حيث انتهت الحضارة الحديثة، إذا كانت مجتمعاتنا ترغب في مسايرة الركب العالمي. لكن لو أخذنا عن تجارب اليابان أو كوريا الجنوبية المتقدمتين صناعيا وتقنيا على سبيل المثال، فلن يقول أي من الكتاب التنويريين إن علينا أن نتجه إلى الغرب فقط، لننهل من تجاربه المتطورة. وفي الواقع يوجد لدينا أيضا بعثات علمية إلى بعض الجامعات اليابانية، وتعاون تقني وصناعي مع بعض الشركات الكورية الجنوبية في مجالات الصناعات البتروكيماوية على وجه الخصوص. وما يؤلم بعض المخلصين لأوطانهم أن كثيرا من دعاة رفض التغريب يستهلكون من الغرب أكثر من غيرهم، ويسافرون إلى بلدان الغرب لقضاء إجازاتهم، ويرسلون أبناءهم وبناتهم للدراسة في جامعات غربية، أما أولاد الأتباع فعليهم -من وجهة نظر أولئك المنتفعين- أن يبقوا بعيدا عن الغرب لئلا يعصف بهم التغريب!
وفي الواقع أن فكر «التغييب» هذا يعد ممارسة إقصائية متطرفة، تهيئ لتلك الجماعات، التي تحقق لها في غفلة من الزمن السيطرة على فكر العامة، حتى أصبح أساطينها رموزا ذوي سلطة مطلقة على الشارع العربي، وأثروا ثراء فاحشا من خلال ثقة الناس الكبيرة بهم، وانفتاح أبواب التكسب لهم من كل جانب. وفكرهم هذا أخطر من دعوات المفكرين الذين لا يزعمون صحة مطلقة لما يقولون، ولا يتكسبون بفكرهم كما يفعل أولئك التغييبيون، ولا يدعون أيضا إلى الأخذ عن الغرب فقط، بل يؤيدون الأخذ بأسباب التقدم، سواء كانت الوسائل آتية من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. غير أننا في العصر الحديث نجد تقدم العلوم والصناعة والتقنية في جله غربي المصدر، فيدعو التنويريون (الذين يتهمهم أهل التغييب بكونهم تغريبيين أو علمانيين أو ليبراليين) إلى الأخذ بأسباب هذا التقدم، والبدء من حيث انتهت الحضارة الحديثة، إذا كانت مجتمعاتنا ترغب في مسايرة الركب العالمي. لكن لو أخذنا عن تجارب اليابان أو كوريا الجنوبية المتقدمتين صناعيا وتقنيا على سبيل المثال، فلن يقول أي من الكتاب التنويريين إن علينا أن نتجه إلى الغرب فقط، لننهل من تجاربه المتطورة. وفي الواقع يوجد لدينا أيضا بعثات علمية إلى بعض الجامعات اليابانية، وتعاون تقني وصناعي مع بعض الشركات الكورية الجنوبية في مجالات الصناعات البتروكيماوية على وجه الخصوص. وما يؤلم بعض المخلصين لأوطانهم أن كثيرا من دعاة رفض التغريب يستهلكون من الغرب أكثر من غيرهم، ويسافرون إلى بلدان الغرب لقضاء إجازاتهم، ويرسلون أبناءهم وبناتهم للدراسة في جامعات غربية، أما أولاد الأتباع فعليهم -من وجهة نظر أولئك المنتفعين- أن يبقوا بعيدا عن الغرب لئلا يعصف بهم التغريب!