أما المرحلة اللاحقة لتكوين ثقافة التحدي (وليس التنافس الشريف)، فإنها ستكون بالطبع الانحياز لمبدأ العنف، واستخدامه بدلاً من التهديد به في تثبيت الذات على مسرح الحياة المعاصرة، سواء كان الأمر متعلقًا بالأفراد أم بالأمم والمجتمعات. ولا يعجب المتتبع منا لتوالي تفتق الأفكار المتلاحقة في طريق بناء بيئة العنف والقوة غير المناسبة في كثير من شؤون الناس وتعاملاتهم. إذ نجد عبارات تحث على إظهار الخشونة تشيع بين الناس، ويتبناها أكثرهم وحكاياتها التي تمثل الموارد المباشرة لصناعة الفكر، وطريقة تبني العلاقات مع الآخرين.
ومن تلك الكليشات ما يرد بصور متعددة في موادنا الأدبية الملاصقة للذائقة الشعبية، منها: «فجرّد حسامك من غمده!»، حيث تظن العامة أن هذا الشعار هو قمة الإخلاص للهوية، والسبيل لرفعة الجماعة وعزّها. فيتماهون مع هذا الخطاب، ويبدأون في التأسيس له دون شعور منهم بخطورته.
وكنت أتساءل مع بعض الرفاق بشأن مدى آنية هذا الخطاب، وأبعاد تأثيره في الفئات الاجتماعية المختلفة، وهل ما زال العربي ينتشي لدى سماعه مثل تلك العنتريات؟ وتأملت عوامل هذا التفشي، لأكتشف أن كثيرًا من المصابين بخيبات الأمل في واقع العرب الحالي يلجأون إلى استحضار الماضي، ليستعيضوا به عن واقعهم ، الذي يشعرون فيه بشيء من الضعف.
وفي المقابل، ألا يوجد من القطاعات العريضة في مجتمعاتنا العربية، خاصة في فئات الشباب منهم، من يسعى إلى تغيير الأدوات، ليكون الشعار على سبيل المثال: «فجرّد عقلك من غلّه!»، ليكون تحرير العقل هو السبيل لبناء حضارة تستطيع المنافسة مع المجتمعات الأخرى في عالمنا المعاصر، وفي ظل الحياة الحديثة، التي تغير فيها كل شيء بما في ذلك إيقاع الحياة وسرعة التطورات. حيث لم يعد هناك مجال للقابعين في زوايا المركب يرددون نشيد الموت، أو يتمنون البطش بغيرهم، لتكون لهم الرفعة بعد فناء الآخرين وزوال منافستهم.